فالنبي الكريم اختاره الله تعالى ليحمل رسالة الهداية والرحمة للناس أجمعين، فهيّأه لهذه المهمة الكبرى «وخصّه بخصائص لم يشاركه أحد فيها» (?) .

فهو نسيج وحده في كمال خلقه وخلقه، وفي فضائله ومكانته، أثنى عليه ربه مرات كثيرة، وجعله مثالا للكمال الإنساني، فكيف يستطيع البشر الوفاء بمدحه ووصفه وحصر فضائله؟

وقد مرّ معنا في السابق كيف مدحه أصحابه وشعراء زمانه مدحا تقليديا، لا يكاد يخرج عمّا اعتادوا عليه وألفوه في مدح ساداتهم وأشرافهم، وكيف تابعهم بعض مدّاح النبي في ذلك، فلم يخرجوا إلا قليلا عن القيم الاجتماعية المعروفة، والتي كانت تحظى بالتقدير عندهم، فيمدح بها من نال إعجابهم ورضاهم، ومن جسّد مثلهم وأحياها.

فالقيم الاجتماعية المعروفة عند العرب مثل الكرم والشجاعة والعزة وطيب المحتد، اعتنى بها الإسلام وهذّبها وأقرّها، وأعطاها مفهوما إنسانيا جديدا، مغايرا لما كانت عليه فأضحت من عوامل التقدم والتكافل الاجتماعي، بعد أن كانت للمباهاة وحب الظهور، بل إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (?) .

ومنذ القدم تعلق الناس بأخلاق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأشادوا بها، بل لقد أثنى عليها خصومه المشركون الذين كفروا برسالته، لكنهم لم يستطيعوا إلا أن يعترفوا برفعة أخلاقه وسمو روحه، وهذا ما بهر شعراء المدائح النبوية، فأخذوا يبدؤون ويعيدون في ذكر أخلاقه وشمائله الطيبة، ويفتنّون في عرضها، فالبوصيري يؤخذ بفضائل النبي الكريم فيميزها عن فضائل غيره، ويقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015