صاحبنا الشيخ جمال الدين بن نباته المصري، أحد الموقعين الآن بدمشق، أوله: الحمد لله الذي أرهف لعزائم الموحدين غرباً، وأطلعهم بهممهم حتى في مطالع الغرب شهباً، وعرف بين قلوب المؤمنين حتى كان البعد قرباً، وكان القلبان قلباً، وأيد بولاء هذا البيت الناصري ملوك الأرض، وعبيد الحق سلماً وحرباً، وعضد ببقائه كل ملك إذا نزل البر أنبته يوم الكفاح أسلاً، ويوم السماح عشباً، وإذا ركب البحر لنهب الأعداء، كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً، وإذا بعث هداياه المتنوعة، كانت عراباً تصحب عرباً ورياضاً تسحب سحباً، وإذا وقف أوقاف البر، سمعت الآفاق من خط يده قرآناً عجباً، واهتزت بذكراه عجباً.

ومنها: وذو الولاء قريب وإن نأت داره، ودان بالمحبة وإن شط شط بحره ومزاره، وهو بأخباره النيرة محبوب، كالجنة قبل أن ترى، موصوف كوصف المشاهد، وإن حالت عن الاكتحال بطلعته أميال السرى، ولما كان السلطان أبو الحسن سر الله ببقائه الإسلام والمسلمين، وسره بما كتب من اسمه في أصحاب اليمين وما أدراك ما أصحاب اليمين، هو الذي مد اليمين بالسيف والقلم، فكتب في أصحابها، وسطر الختمات الشريفة، فنصر الله حزبه بما سطر من أحزابها، ومد الرماح أرشية فاشتقت من قلوب الأعداء قليباً، والأقلام أروية فشفت ضعف البصائر، وحسبك بالذكر الحكيم طبياً.

ومنها ثم وصلت ختمات شريفة كتبها بقلمه المجيد المجدي، وخط سطورها بالعربي، وطالما خط في صفوف الأعداء بالهندي.

ومنها وأمر بترتيب خزنة وقراء على مطالع أفقها، ووقف أوقافها، تجري أقلام الحسنات في أطلاقها وطلقها، وحبس أملاكاً شامية تحدث بنعم الأملاك التي سرت من مغرب الشمس إلى مشرقها، ورغب في المسامحة على تلك الأملاك، من أحكار ومؤونات وأوضاع ديوانية، وضع بها خط المسامحة في دواوين الحسنات المسطرات، فأجيب على البعد داعيه، وقوبل بالإسعاف والإسعاد وقفه ومساعيه، وختمها بقوله: والله تعالى يمتع من وقف هذه الجهات بما سطر له في أكرم الصحائف وينفع الجالس من ولاة الأمور في تقريرها، ويتقبل من الواقف.

وفيه صلي بحلب صلاة الغائب على الشيخ شمس الدين بن محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الدمشقي، منقطع القرين في معرفة أسماء الرجال، محدث كبير، مؤرخ، من مصنفاته كتاب تاريخ الإسلام، وكتاب الموت وما بعده، وكف بصره في آخر عمره، ومولده سنه ثلاث وسبعين وستمائة، واستعجل قبل موته فترجم في تواريخه الأحياء المشهورين بدمشق وغيرها، واعتمد في ذكر سير الناس على أحداث يجتمعون به، وكان في أنفسهم من الناس، فآذى بهذا السبب في مصنفاته أعراض خلق من المشهورين.

وفيها كان الغلاء بمصر ودمشق وحلب وبلادهن، والأمر بدمشق أشد، حتى انكشفت فيه أحوال خلق، وجلا كثيرون منها إلى حلب وغيرها، وأخبرني بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015