رحل من دمشق ووصل إلى حماة، ثم إلى فامية، فالتقى عساكره وقد عادت منصورة وأمر بتسليم الأسرى، وفيهم ليفون بن صاحب سيس، وكان المذكور لما أسر، سلمه الملك المنصور إلى أخيه الملك الأفضل، فاحترز عليه وحفظه حتى: حضره بين يدي السلطان، ثم عاد إلى الديار المصرية على طريق الكرك، فتقنطر بالملك الظاهر المذكور فرسه، عند بركة زيزا، وانكسرت فخذه، وحمل في محفة إلى قلعة الجبل.
وفي هذه السنة، عند توجه الملك الظاهر من دمشق، لملتقى عساكره العائدة من غزوة بلاد سيس، لما نزل على قارا بين دمشق وحمص، أمر بنهب أهلها وقتل كبارهم، فنهبوا وقتل منهم جماعة لأنهم كانوا نصارى، وكانوا يسرقون المسلمين ويبيعونهم بالخفية إلى الفرنج، وأخذت صبيانهم مماليك، فتربوا بين الترك في الديار المصرية، فصار منهم أجناد وأمراء.
ثم دخلت سنة خمس وستين وستمائة فيها وصل الملك المنصور محمد صاحب حماة إلى خدمة الملك الظاهر بيبرس بالديار المصرية، ثم طلب المنصور من الملك الظاهر مرسوماً بالتوجه إلى الإسكندرية، ليراها ويتفرج فيها، فرسم له بذلك وأمر أهل إسكندرية بإكرامه واحترامه، وفرش الشقق بين يدي فرسه. فتوجه الملك المنصور إلى الإسكندرية، وعاد للديار المصرية مكرماً محترماً، ثم خلع عليه الملك الظاهر، وأحسن إليه على جاري عادته، ورسم له بالدستور فعاد إلى بلده.
وفيها توجه الملك الظاهر بيبرس إلى الشام، فنظر في مصالح صفد، ووصل إلى دمشق، وأقام بها خمسة أيام، وقوي الأرجاف بوصول التتر إلى الشام، ثم وردت الأخبار بعودهم على عقبهم، فعاد الملك الظاهر إلى ديار مصر.
وفي هذه السنة، مات بركه بن باطوخان بن دوشي خان بن جنكزخان، أعظم ملوك التتر، وكرسي مملكته مدينة صراي، وكان قد مال إلى دين الإسلام، ولما مات، جلس في الملك بعده ابن عمه منكوتمر بن طغان بن باطر بن دوشي خان بن جنكزخان.
ثم دخلت سنة ست وستينوستمائة.
ذكر مسير الملك الظاهر إلى الشام
وفتح أنطاكية وغيرها:
في هذه السنة، في مستهل جمادى الآخرة، توجه الملك الظاهر بيبرس بعساكره المتوافرة إلى الشام، وفتح يافا في العشر الأوسط من الشهر المذكور، وأخذها من الفرنج، ثم سار إلى أنطاكية ونازلها مستهل رمضان، وزحفت العساكر الإسلامية على أنطاكية، فملكوها بالسيف، في يوم السبت رابع شهر رمضان من هذه السنة، وقتلوا أهلها وسبوا ذراريهم،