البلاد التي سنصفها، نحو عشر سنين، وخلف خمسة عشر ولداً ذكراً، ولما مات، جلس في الملك بعده ولده أبغا بن هولاكو، واستقرت له البلاد التي كانت بيد والده حال وفاته، وهي: إقليم خراسان، وكرسيه نيسابور، وإقليم عراق العجم، وهو الذي يعرف ببلاد الجبل، وكرسيه أصفهان، وإقليم عراق العرب، وكرسيه بغداد، وإقليم أذربيجان وكرسيه تبريز، وإقليم خورستان وكرسيه تستر، التي تسميها العامة تشتر، وإقليم فارس وكرسيه شيراز، وإقليم ديار بكر وكرسيه الموصل، وإقليم الروم وكرسيه قونية، وغير ذلك من البلاد التي ليست في الشهرة. مثل هذه الأقاليم العظيمة.
ذكر غير ذلك من الحوادث: في هذه السنة أو التي بعدها، أمسك الملك الظاهر بيبرس، زامل بن علي، أمير العرب، بمكاتبة عيسى بن مهنا في حقه. وفيها في رمضان، استولى النائب بالرحبة على قرقيسيا، وهي حصن الزباء التي تقدم خبرها مع جذيمة الأبرش في أوائل الكتاب، وفيه خلاف. وفيها قبض الملك الظاهر بيبرس على سنقر الرومي. وفيها توفي قاضي القضاة بمصر، بدر الدين يوسف بن حسن علي السنجاري.
ثم دخلت سنة أربع وستين وستمائة.
في هذه السنة خرج الملك الظاهر بعساكره المتوافرة من الديار المصرية، وسار، الشام، وجهز عسكراً إلى ساحل طرابلس، ففتحوا القليعات وحلباً وعرقاً، ونزل الملك الظاهر على صفد، ثامن شعبان، وضايقها بالزحف وآلات الحصار، وقدم إليه وهو على صفد، الملك المنصور صاحب حماة، ولاصق الجند القلعة، وكثر القتل والجراح في المسلمين، وفتحها في تاسع عشر شعبان المذكور بالأمان، ثم قتل أهلها عن آخرهم.
وفي هذه السنة بعد فراغ الملك الظاهر من فتوح صفد، سار إلى دمشق، فلما دخلها واستقر فيها، جرد عسكراً ضخماً، وقدم عليهم الملك المنصور صاحب حماة، وأمرهم بالمسير إلى بلاد الأرمن، فسارت العساكر صحبة الملك المنصور المذكور، ووصلوا إلى بلاد سيس في ذي القعدة من هذه السنة، وكان صاحب سيس إذ ذاك، هيثوم بن قسطنطين بن باسيل، قد حصن الدربندات بالرجالة والمناجنيق، وجعل عسكره مع ولديه على الدربندات، لقتال العسكر الإسلامي ومنعه، فداستهم العساكر الإسلامية، وأفنوهم قتلاً وأسراً، وقتل ابن صاحب سيس الواحد، وأسر ابنه الآخر، وهو ليفون بن هيثوم المذكور، وانتشرت العساكر الإسلامية في بلاد سيس، وفتحوا قلعة العامودين. وقتلوا أهلها، ثم عادت العساكر وقد امتلأت أيديهم من الغنائم، ولما وصل خبر هذا الفتح العظيم إلى الملك الظاهر بيبرس،