نصيبهم بالشلل التام، والغيبوبة القاتلة لئلا تكون لهم رجعة، وينقطع نسلهم من الوجود. وأرض المعركة مشتعلة، وسماؤها ملبَّدة بالغيوم، وجوَّها ممتلئ بالسموم، وطيورها تدعو بالويل والثبور، ودخان الغدر يفوح، ورائحة الخيانة قد أزكمت الأنوف.
وفصيل الكفر قد جاء مرصوص الصفوف، مترجلين بعدما قاموا بعقر خيولهم، وكسر أغمدة سيوفهم، ونصب سهامهم، وتصويب رماحهم، مصطحبين معهم نساءهم وذراريهم، حتى يستحيل الفرار، ويُدْبِر الهروب؛ وعزموا على الحرب التي لا تعرف إلاَّ الدمار والخراب والاستئصال دون العمار والبناء والوجود.
وأما فصيل المسلمين فقد جاء بصفوف يواجه بعضها بعضًا، وقد سرحوا خيولهم، وأخمدوا سيوفهم في غمادها، إلاَّ أنهم صوَّبوا سهامهم ورماحهم، لكن تجاه العلماء الربانيين، والدعاة المخلصين، والمجاهدين المناضلين ... ، منشدين بذلك السلام والأمان من عدو لدود لا يعرف إلاَّ الكيد، ولا يرضى بغير الكفر.
ووسط هذا الزخم الشديد والخضم الهائل من الفتن المائجة، أصبح حال أمتنا المرير كصيد ثمين بين جماعة من النسور الضارية، كل واحد منها ينهش منه كل ما لذَّ له وطاب، وقت ما شاء، ومتي ما أراد.
وإزاء هذا العداء السافر نجد حال أمتنا الأليم، يموج بصراعاته موجًا، ويمور بتجزباته مورًا. وفي كل يوم، أو بالأحرى في كل ساعة، تأتي بليَّة عظيمة، وداهية فظيعة، وتتوالى علينا الفتن العمياء الصماء البكماء، التي يرقق بعضها بعضًا، حتى إذا رأى المؤمن إحداها قال: هذه مهلكتي، فإذا أدبرت وجاءت الأخري قال: هذه هذه ...
اللَّهمَّ إنا نشكو إليك: ضعفنا وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، ونشكو