عن مالك وأصحابه، ولعل هذا فيمن ليس من أهل الاجتهاد، وأما من كان من أهل الاجتهاد والعلم فالصواب عدم حده إلا أن يسكر منه، وقد جالس مالك سفيان الثوري، وغيره من الأئمة ممكن كان يبيح شرب النبيذ؛ فما أقام على أحد منهم حداًّ، ولا دعا إليه مع تظاهرهم بشربه ومناظرتهم فيه.
وقد قال مالك: ما ورد علينا مشرقي مثل سفيان الثوري أما إنه آخر ما فارقني على أن لا شرب النبيذ، وهذا يقتضي أنه لم يفارقه قبل ذلك عليه.
قُلتُ: ومقلد مبيحه مثله، واختاره اللخمي في غير موضع، وهو الجار على أن كل مجتهد مصيب، وعلى أن المصيب واحد؛ لأن شهرة الخلاف شبهة، وقد أسقط مالك الحد عمن خللت له أمة، وحكاه عياض في الإكمال عن بعض المتأخرين، وتقدم أن مالكاً يحده، ويقبل شهادته، وتعقبه بعضهم بأنه متناف وأجيب بمنعه؛ لأن موجب الحد الشرب، وقد وجد والقدوم على مباح عند فاعله لا يوجب فسقه وسقوط حد من شرب مسكراً غلطاً واضح، كقولها مع غيرها: في وطء أجنبية كذلك.
وفي كافي أبي عمر، من ظن النبيذ حلاوة ولم يشعر بسكره فسكر منه؛ فلا حد عليه إن كان مأموناً لا يتهم، ومثله من شرب مباحاً ظاناًّ أنه خمر؛ لا يحد وتسقط عدالته، قاله عز الدين ابن عبد السلام.
ويثبت بالبينة والإقرار كسائر الحقوق ورجوع المقر تقدم في الزنا والسرقة.
الشَّيخ: عن الواضحة: اعترف أبو محجن الثقفي في شعره بشرب الخمر فأراد عمر جدله فقال: صدق الله وكذبت، قال الله تعالى في الشعراء: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 226] فلم يحده، وعزله عن العمل.