قال المازري في الجواب الثالث: إذا سمع القاضي البينة على الغائب بحق عليه، والراد إلزام القضية فيه؛ فلا بد أن يستحلف الطالب أنه ما قضاه شيئًا من هذا الحق، ولا أسقطه حسبما مر، واختلف العلماء في كون هذا الاستحلاف احتياطًا للغائب أو واجبًا على القاضي لا يصح الحكم إلا به، فإن لم يستحلفه، فإن الحكم إذا بلغ الغائب؛ مكن من القدح فيه، فإن أدعى أنه قضى هذا الحق؛ فهي مسألة فيها إشكال وقف فيها حذاق العلماء، وعندنا فيها قولان: أحدهما: لا يلزم المحكوم عليه تسليم الحق حتى يستحلف له طالبه، فيعود من قدم بالحكم حتى يتممه باستحلاف القاضي الطالب؛ لأن القاضي يبرم القضية بقول في حكمه: أوجبت على فلان الغائب هذا الحق، وقضيت عليه به، وهذا لفظ يقتضي القطع بأنه ثابت عليه، ومع تجويز دعوى القضاء لا يتأتى القطع به، وقيل: يلزمه دفع الحق به، وينصرف لطلب يمين الطالب، وهذا إذا أثبت الحق منه على الغائب مستحقه، ولو أثبت وكيل المستحق؛ لم يطلب بهذه اليمين، ويرجى أمرها إلى أن يدعيها الغائب إذا ورد الحكم عليه.
قلت: كذا وقع هذا اللفظ للمازري، وتلقاه ابن عبد السلام بالقبول، وفيه تناف؛ لأن قوله أو لا؟ لم يطلب بهذه اليمين، ويرجى أمرها يقتضي أنه لا ينفذ الحكم عليه؛ لأن قوله: إذا ورد الحكم عليه يقتضي عدم تقدم نفوذه عليه، فتأمله منصفًا، ثم قال متصلًا بكلامه السابق: وأما الميت والصبي والمجنون؛ فإنهم لا يقضي عليهم بالديون إلا بعد استحلاف الطالب لهم؛ لكون الميت يستحيل منه أن يدعي قضاء الدين، وكذا الصبي والمجنون ما دام كل منهما بصفته.
قلت: مقتضى كلام المازري: أن من أقام بينة بدين على غائب عند قاضي بلد الطالب أن القاضي يقضي له بدينه على الغائب، ويحكم له به، ويقوم منه أن المعتبر في القضاء محل الطالب، وإن لم يكن به المحكوم به، ولا المحكوم عليه، وتقدم الخلاف في ذلك، ونحو مقتضى كلام المازري نقل الشيخ في النوادر عن ابن القاسم ما نصه: يسمع البينة على الغائب بالقتل، ويقضي عليه وهو على حجته إذا قدم، ولا تعاد البينة.
وعن سحنون: قد يحكم على الغائب بالقتل ويقضي عليه، وهو على حجته إذا