تضمن كلامه الحكم بذلك حال غيبة المحكوم به فقط لا في حال غيبته وغيبة المحكوم عليه، والحكم بالشيء الغائب حضور المحكوم عليه جائز حسب ما تقدم في أن المعتبر في الحكم محل المحكوم عليه والمحكوم له.

قلت: بل نص قوله: يقتضي أنه يحكم بالشيء الغائب حال غيبة المحكوم عليه لقوله، فمن ذلك الدين والأمر فيه واضح، قلت: والحكم بالدين إلغاء ملزوم لغيبة المحكوم عليه، فتأمله إلا أنه يأتي للمتيطي ما ظاهره صحة الحكم مع غيبة المحكوم به، وعليه بقيد كونه من أهل بلد الحاكم، ويأتي للمازري النص بالحكم بذلك دون قيد.

المتيطي: أول نظر القاضي في الحكم على الغائب تكليفه طالبه بإثبات غيبته ومحله ليعلم قرب غيبته من بعدها، فإن قربت غيبته؛ أعذر إليه حسبما ذكره في المدونة وغيرها.

قلت: نحوه نقل النوادر عن أصبغ: إن قال الطالب: غيبة خصم بعيدة يستحق أن يقضي عليه عند القاضي البينة على ذلك.

المتيطي: إن بعدت غيبته، وهو من أهل مصره؛ خرج عنه مسافرًا غير منتقل بحل، وأمضى الحكم عليه دون أعذار، وإن كان من غير أهل بلده الذي استقضى عليهم؛ لم يسجل عليه، فإن ذلك ليس إليه؛ إنما له أن يقيد شهادة البينة عليه، ويسميها، ثم يشهد على كتاب ذلك من يشهد بذلك عند قاضي البلد الذي به المدعى عليه.

وفي أسئلة الشيخ أبي عمرو وأبي بكر ابن عبد الرحمن: أن الحكم على الغائب الذي يعمل على غير عمل الحاكم عليه؛ جائز إن كان للغائب في موضع الحاكم ما يحكم عليه فيه؛ لأنه يحكم في شيء تحت حكم، وفي بلده الذي ولي النظر فيه؛ وإنما الذي لا يجوز حكمه عليه لو كان المحكوم عليه لا مال له ببلد الحاكم.

قلت: ظاهر ما نقله عن الشيخين: أنه خلاف ما ذكره قبل جوابهما، فيحتمل أنه الحكم على الغائب الذي هو من عمل القاضي حال غيبته مع غيبة المحكوم به عن محل القاضي، أو منع الحكم على الغائب الذي ليس من عمل القاضي، وإن كان المحكوم به حاضرًا ببلد القاضي مع المحكوم له، وقول ابن هارون، فإن قلت: إذا كان الحكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015