قضاة الإمام قضاه في عمله لبعد المحل عنه, صح مخاطبته إياهم, ومخاطبتهم إياه, ومخاطبة بعضهم بعضاً إن أذن لهم في ذلك, وإن قصرهم على مخاطبته؛ لم تج مخاطبه بعضهم بعضاً؛ لأنهم وكلاء, فلا يتعدوا ما حده لهم, ولا ينبغي أن يخاطبهم قاضي إقليم غير الذي ولا هم, ولا يخاطبونه هم إلا أن يكون ذلك بإذن من ولاهم, وإن كان تقديم القاضي قضاته بإذن الإمام الذي ولاه؛ جازت خطاباتهم مطلقاً فيما بينهم وبين غيرهم.
قلت: للشيخ عن سحنون في رجل من بعد كور تونس أراد أن يثبت بكورته حقاً له على رجل بمصر؛ ليكتب له به قاضي كورته قال: لا يكتب قضاة الكور إلى قضاة البلدان, وليكتب قاضي تونس إلى قاضي القيروان, فيكون هو الذي يكتب إلى قاضي مصر, ولا يجوز كتب ولاة الكور, وولاة المياه إلى قاضي بلد آخر, وأنكر ما روي عن مالك من ضرب ولاة المياه أجل المفقود؛ لأنه لا يكون إلا بعد الكتب إلى البلدان, وولاة المياه لا يجوز كتبهم إلى البلدان.
قلت: فيقوم منه جواز كتبهم إلى البلدان, وشرط قبول خطاب القاضي صحة ولايته ممن تصح توليته وجه احترازاً من مخاطبة قضاة أهل الرجل كقاضي مسلمي بلسانية وطر طوشة وقو صرة عندنا, ونحو ذلك.
قال ابن المناصف: وشأن قضاة وقتنا رسم الخطاب أسفل وثيقة ذكر الحق, وقد يكون في ظهر الصحيفة, أو أحد عرضيها إن عجز أسفلها, وربما كان في ورقة ملصقة بالوثيقة إن تعذر الموضع, واستحب أن يبدأ باسم الله الرحمن الرحيم, واستخف قضاة زماننا ترك ذلك في صدور مخاطبات الوثائق, وأراه لاكتفائهم بالاستفتاح الواقع في صدر العقد, وإعادة ذلك أولى؛ لأنه ابتداء فصل غير الأول.
قلت: وهذا كما ذكر هو عمل أكثر الناس في ابتداء كتب الوثائق؛ وذكر بعض المؤرخين أن وثيقة وقعت بيد بعض القضاة غير مصدرة ببسملة ولا تصلية, فطرحها وقال: أنى كتبت هذه أكتبت ببلد كذا, فعين بعض بلاد الكفر, فقيل له: إنها بخط ابن مجاهد, فرفعها وقبلها.