التغير من حيث الذات، إن كان التغير من حيث النقصان بأن أصاب الحنطة ما بعد الحول، وفسدت وصارت قيمتها مائة، إن أدى من عينها أدى خمسة أقفزة، وإن أدى من قيمتها أدى درهمين ونصفاً بلا خلاف، فأبو حنيفة رحمه الله فرق بين هذه المسألة وبين المسألة المتقدمة.
والفرق أن في هذه المسألة فاتت الجودة، والجودة بعض العين، ألا ترى أن من غصب من أخر ثوباً جيداً، فأصابه بآفة وذهبت الجودة عنه، فالمغصوب منه بالخيار إن شاء تركه عليه وضمنه قيمته بالغة ما بلغت، وإن شاء أخذ منه وضمنه قيمة الجودة كما لو فاتت بعض العين، فدل أن الجودة بعض العين، فإذا فاتت الجودة فات بعض مال الزكاة، وفوات كل مال الزكاة يوجب سقوط كل الزكاة، ففوات بعضه يوجب سقوط الزكاة قدره، أما في المسألة المتقدمة لم تفت الجودة ولا شيء من العين، ولكن انتقصت قيمته لفتور رغائب الناس فيه، ورغائب الناس ليست بمال، فلم يفت شيء من مال الزكاة حتى تسقط الزكاة بقدره، فلهذا افترقا.
وإن كان التغير إلى زيادة بأن كانت الحنطة ندية، وقيمتها يوم الوجوب بالإجماع فهما فرّقا التغير من حيث الذات إلى زيادة، وبين التغير من حيث فحقت بعد الحول، وصارت قيمتها أربعمائة إن أدى من العين أدى خمسة أقفزة، وإن أدى من القيمة أدى خمسة دراهم قيمتها السعر إلى زيادة.
والفرق أن الزيادة من حيث الذات زيادة عينية، وكانت الزيادة الحاصلة من حيث الذات بعد الحول كزيادة مال استفادها بعد الحول، ولو استفاد زيادة مال بعد الحول لا يجب فيها شيء فههنا كذلك، أما الزيادة من حيث السعر ليست بزيادة عينية، فإن العين على حالها كما كانت، وإنما هي باعتبار رغبة يحدثها الله تعالى في قلوب العباد، ورغائب الناس ليست بمال لتجعل الزيادة بسببها بمنزلة زيادة مال استفادها بعد الحول، وإن لم تزدد العين كانت الأربعة قيمة ذلك العين، وكان قيمة حصة الفقراء عشرة دراهم، فإذا أراد أن يؤدي القيمة يؤدي عشرة دراهم.
ثم إن محمداً قال في هذه الصورة: إن أدى من العين أدى خمسة أقفزة ولم يقل أدى خمسة أقفزة من هذا اليابس، أو خمسة أقفزة ندية وينبغي أن يؤدي خمسة أقفزة ندية لما ذكرنا أن هذه زيادة مال استفادها بعد الحول، ولا تعتبر بالزيادة المستفادة بعد الحول، ولو أوجبنا خمسة أقفزة من هذا اليابس فقد اعتبر بالزيادة المستفادة بعد الحول، فأوجبنا خمسة أقفزة ندية كما وجب يوم حولان الحول حتى لم يلزمنا اعتبار الزيادة المستفادة بعد الحول، هكذا حكي عن القاضي الإمام أبي عاصم العامري.
قال القدوري في «كتابه» : ويضم الذهب والفضة إلى عروض التجارة؛ لأن وجوب الزكاة وعروض التجارة عندنا باعتبار القيمة، وباعتبار القيمة العروض من جنس الدراهم والدنانير.