أن يستوفي الأجر، فيكون مال التجارة، أما ما لا يبقى له أثر في العين.........
وذكر في «الأصل» : الخباز إذا اشترى ملحاً أو حطباً للخبز، فلا زكاة فيه، لأن معنى التجارة لا يتحقق في عينه؛ لأنه يصير مستلهكاً من كل وجه، فما يأخذ من المال يكون عوضاً عن عمله لا عن الحطب والملح، فلا يصير (132ب1) مالَ التجارة.
وإذا اشترى سمسماً ليجعل على وجه الخبز تجب فيه الزكاة؛ لأن عينه تبقى بعد الخبز، فيمكن تحقيق معنى التجارة في عينه، ولا تجب الزكاة في الشحوم والأدهان التي يحتاج إليها ليدهن به الجلود، ذكره في «المنتقى» بناءً على الأصل الذي قلنا.
قال «القدوري» : وآلات الصُّناع الذين يعملون بها وظروف الأمتعة، لا تجب فيها الزكاة؛ لأنها غير معدة للتجارة. ولو أن نخاساً يشترى دواباً ويبيعها، فاشترى جلاجل ومقادد وبراقع فإن كان يبيع هذه الأشياء مع الدواب ففيها الزكاة، وإن كانت لحفظ الدواب فلا تجب الزكاة بمنزلة له آلات الصناع، وكذلك إذا كان من يبيعه إنما يسلم هذه الأشياء لمن يشترى، لا على وجه البيع فلا زكاة فيها، وهي بمنزلة ثياب الخدم التي يسلم البائع مع الخدم في البيع.
قال هشام: سألت محمداً عن رجل اشترى جارية للخدمة، وهو ينوي أنه إن أصاب ربحاً قال: ليس فيها زكاة حتى يشتري، وعزيمة أمره والغالب منه أن يشتريها للتجارة، ذكر هذه الجملة في «المنتقى» .
وقال في «العيون» : والعطار إذا اشترى قوارير فهو هكذا، وفي «فتاوى أبي الليث» : إذا اشترى جوالق بعشرة آلاف دراهم ليؤاجرها من الناس، فحال عليها الحول، فلا زكاة فيها؛ لأنه اشتراها لعلة لا للتجارة، فإن كان في رأيه أنه يبيعها آخراً، فلا عبرة لهذا، وكذلك الجواب في إبل الحمالين، وهم المكارين.
رجل له مائتا قفيز من الحنطة للتجارة حال عليها الحول، وقيمتها مائتا درهم حتى وجب عليه الزكاة، فإن أدى من عينها أدى ربع العشر من عينها خمسة أقفزة حنطة، وإن أدى من قيمتها أدى ربع عشر القيمة أيضاً خمسة دراهم، فإن لم يؤد حتى تغير سعر الحنطة إلى زيادة، فصارت تساوي أربعمائة، فإن أدى من عين الحنطة أدى ربع العشر خمسة أقفزة بالاتفاق، وإن أدى من القيمة أدى خمسة دراهم قيمتها يوم حولان الحول الذي هو يوم الوجوب عند أبي حنيفة، وعندهما يؤدي عشرة دراهم قيمتها يوم الأداء.
وإن تغير به سعر الحنطة إلى نقصان، فصارت تساوي مائة إن أدى من عين الحنطة أدى خمسة أقفزة بلا خلاف، وإذا أدى من القيمة أدى خمسة دراهم قيمتها يوم حولان الحول الذي هو يوم الوجوب. وعندهما: أدى درهمين ونصف قيمتها يوم الأداء.
فالحاصل: أن أبا حنيفة يعتبر القيمة يوم الوجوب في جنس هذه المسائل، وهما يعتبران القيمة يوم الأداء، وهذه المسألة في الحاصل بناءً على معرفة الواجب في عروض التجارة يوم حولان الحول، فعندهما الواجب يوم حولان الحول جزء من النصاب عيناً، لكن للمالك ولاية نقل الواجب إلى القيمة بالأداء، فتراعى قيمته يوم النقل والدليل (على) أن الواجب ما قلنا، قوله عليه السلام: «خذ من الإبل الإبل ومن البقر البقر» والدليل عليه أن في نصاب السوائم تعتبر القيمة يوم الأداء، حتى إن من وجب في إبله بنت مخاض قيمته خمسة دراهم ثم تغير السعر، فصارت تساوي درهمين ونصفاً فأراد أن يؤدي القيمة أدى درهمين ونصفاً بالإجماع، فقياس عروض التجارة على السوائم أن تعتبر القيمة يوم الأداء.
واختلفت عبارة المشايخ في بيان مذهب أبي حنيفة رحمه الله، فعبارة بعضهم أن الواجب بعد حولان الحول أداء القيمة، ولكن من هذا النصاب العين وأمكن تخفيفه؛ لأن النصاب حنطة وهي مال، وأداء الخمسة من الحنطة من حيث إنها مال ممكن.
والدليل على أن الواجب هذا أن النبي عليه السلام أوجب في خمس من الإبل السائمة شاة، وعين الشاة لا توجد في الإبل، وإنما يوجد فيه مال مقدر بقدر الشاة، والدليل عليه أن الزكاة وجبت بطريق التيسير، والتيسير في أن يكون الواجب من النصاب حتى تسقط بهلاك النصاب، ولكن من حيث إنه مال لا من حيث إنه عين؛ لأنه ربما يتعسر على المالك أداء العين بأن كان النصاب جارية حسناء، فعلم أن الواحب يوم حولان الحول أداء القيمة، ولكن من هذا النصاب والقيمة يوم حولان الحول خمسة دراهم، فوجب عليه خمسة دراهم، فلا يتغير بعد ذلك بتغير السعر، وهذا القائل يقول بأن مسألة السوائم على الخلاف، وإنما أمر رسول الله عليه السلام بأخذ العين تيسيراً على أرباب الأموال، لكن الأداء من العين الذي هو مملوك لهم أسهل وأيسر.
وعبارة بعضهم: أن الواجب عند أبي حنيفة يوم حولان الحول في مال التجارة أحد الشيئين بالعين أو القيمة، لأن القيمة يوم حولان الحول معتبرة بالإجماع حتى إن قيمة الحنطة إن كانت أقل من مائتي درهم، لا تجب الزكاة والعين أيضاً معتبرة، لأن قيمة الشيء ماليته، والمالية تقوم بالعين، ومالية هذا العين تقوم بعين آخر، وكان كل واحد معتبراً أصلاً، وكل واحد منهما صالح للخروج عن عهدة الواجب، وكان الواجب أحدهما لا بعينه، فثبت أن الواجب أحد الشيئين إذا اختار أحدهما، فجعل ما اختار كأنه هو الواجب من الأصل دون غيره.
وإذا صار الواجب من الأصل هو القيمة، حتى اختار أداءها لا يتغير الواجب عند ذلك بتغير السعر، وهذا القائل يقول بأن مسألة السوائم على الوفاق، والفرق على قول هذا القائل بين السوائم وبين عروض التجارة أن القيمة في السوائم يوم حولان الحول غير معتبرة للوجوب، إنما المعتبر هو العين؛ ألا ترى لو كان له خمس من الإبل لا تساوي مائتي درهم تجب الزكاة.