بدلاً عن نفسه، فقد اعتاض عن دمه، فلم يتم التسليم فيغسل.
ومن وجد في المصر قتيلاً ينظر إن حصل القتل بعصا كبيرة، أو بحجر كبير ويعلم قاتله، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: يغسل؛ لأن القتل على هذا الوجه عنده يوجب الدية، فقد اعتاض عن دمه بدلاً هو مال، وعلى قول أبي يوسف، ومحمد رحمهما الله: لا يغسل؛ لأن القتل على هذا الوجه عندهما يوجب القصاص ووجوب القصاص، لا يمنع الشهادة عندنا كما لو قتل بالسلاح.
وإن لم يعلم قاتله يغسل؛ لأنه وجبت الدية، والقسامة بقتله، فلم يكن في معنى شهداء أُحد. وإن حصل القتل بعصا صغيرة يغسل علم قاتله، أو لم يعلم؛ لأن هذا القتل يوجب المال على كل حال، إن حصل القتل بحديدة، فإن لم يعلم قاتله تجب الدية والقسامة على أهل المحلة، فيغسل، وإن علم القاتل لم يغسل عندنا، وعند الشافعي يغسل بناءً على أن قتل العمد يوجب الدية عنده، فقد اعتاض عن دمه بدلاً هو مال، وعندنا القتل العمد يوجب القصاص فمن اعتاض عن دمه بدل هو مال.
وحجتهما روي أن عمر وعلياً رضي الله عنهما غسلا وقد قتلا مظلومين.
وحجتنا ما روي أن عثمان رضي الله عنه لم يغسل، وقد قتل في المصر بالسلاح ظلماً، وعلم قاتله، وكذلك صخر بن عدي لم يغسل، وقد قتل في المصر بالسلاح ظلماً، وعلم قاتله، ولا حجة له في حديث عمر، وعلي رضي الله عنهما؛ لأنهما ارتثا فغسلا لأجل الارتثاث، لا؛ لأن وجوب القصاص يوجب خللاً في أمر الشهادة.
فإن قيل: الذي وجب القصاص بقتله ليس في معنى شهداء أُحد إذ لم يجب بقتلهم شيء.
قلنا: فائدة القصاص يرجع إلى ولي القتيل، وسائر الناس دون المقتول، فلم يحصل له بالقتل شيء كما لم يحصل شهداء أُحد بخلاف الدية؛ لأن فائدة الدية ترجع إلى الميت من حيث إنه (118أ1) تقضى ديونه وتنفذ وصاياه.
ومن قتل في قصاص أو رجم غسل؛ لأنه ليس في معنى شهداء أُحد؛ لأنه قتل بحق وشهداء أُحد قتلوا ظلماً؛ ولأن الشهيد من بذل نفسه لابتغاء مرضات الله تعالى، وهذا لا يوجد في الذي قتل بحق؛ لأنه باذل نفسه لإبقاء حق مستحق.
وقد صح أن ماعزاً لما رجم جاء عمه إلى رسول الله عليه السلام وقال: قتل ماعز كما تقتل الكلاب، ماذا تأمرني أن أصنع به، فقال عليه السلام: «لا تقل هذا لقد تاب ماعز توبة لو قسمت توبته على أهل الأرض لوسعتهم، اذهب فاغسله وكفنه وصل عليه» . وكذلك من مات من حد أو تعزير غسل لما بينا، وكذلك من عدا على قوم ظلماً وكابرهم فقتلوه غسل؛ لأنه ليس في معنى شهداء أُحد؛ لأن شهداء أُحد ما عدونا على غيرهم ظلماً؛ ولأن الظالم غير باذل نفسه لابتغاء مرضات الله تعالى، فلا يكون شهيداً.