الوصية بالأمر الآخرة، وعند ذلك لا يغسل بالإجماع، استدل محمد رحمه الله في «الزيادات» بحديث سعد بن الربيع فإنه روي عن النبي عليه السلام «أنه قال يوم أُحد: «من يأتيني بخبر سعد فقال رجل: أنا آتيك بخبره، فجعل يتفحص القتلى حتى أدركه وبه رمق، فقال: إن رسول الله يقرئك السلام ففتح سعد عينيه، وقال: رسول الله في الأحياء قال: نعم هو سالم وقد بعثني إليك، فقال: الحمد لله على سلامته الآن طابت نفسي للموت، ثم قال: أقرأ رسول الله مني السلام، وأقرأ الأنصار السلام، وقل لهم: لا عذر لكم عند الله تعالى إن قتل محمد وفيكم عين تطرف، ثم قال: أخبر النبي عليه السلام أن بي كذا كذا طعنة كلها أصابت مقتلي، ثم مات» وكان من جملة شهداء أُحد، فهذا يبين لك صحة ما قلنا.

وشرطنا أن لا يبقى بعد الجراحة حياً يوماً أو ليلة حتى قلنا لو عاش في مكانه يوماً أو ليلة فإنه يغسل، وإن كان دون ذلك لا يغسل؛ لأنه ليس في معنى شهداء أُحد، إذ لم يبق منهم أحد حياً بعد الجراحة يوماً كاملاً أو ليلة كاملة.

يوضحه: أن القتيل يعيش قليلاً ولا يعيش طويلاً فلا بد من حد فاصل بين القليل والكثير فجعلنا الحد الفاصل بين القليل والكثير يوماً كاملاً أو ليلة كاملة؛ لأن كل واحدة من هذه المدة تعرف بنفسها، أما ما دون ذلك تعرف بالساعات فيكون هذا معرفة بغيرها لا بنفسها. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: إن عاش وقت صلاة كامل يغسل؛ لأنه وجبت عليه تلك الصلاة، وهذا من أحكام الأحياء.

وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف رحمهما الله: إذ مكث الجريح في المعركة يوماً أو أكثر منه حياً، والقوم في القتال على قتالهم ذلك اليوم كله، وهو يعقل فكلمهم، أو لا يعقل فهو بمنزلة الشهيد، قال: ألا ترى أنه لو كان يقاتل راجلاً أو فارساً اليوم كله، ثم خر ميتاً في آخر النهار من جراحة أصابته في أول النهار إنه يكون شهيداً.

وإن تصرم القتال بينهم وهو مجروح في المعركة صريع يعقل، فإن مكث كذلك وقت صلاتين أو وقت صلاة فهو بمنزلة الذي حمل حياً لا يكون شهيداً؛ لأنه صارت الصلاة ديناً في ذمته إذا كانت الحالة هذه، وهذا من أحكام الأحياء.

وإن كانوا في معمعة القتال، فوجد جريحاً فحملوه والقوم في القتال، ثم مات فهو شهيد، قال الحاكم الشهيد رحمه الله: مجرد حمله ورفعه من المعركة والقتال على حاله فقد لا يجعله مرتثاً، وإنما ارتثاثه بذلك بعد تصرم القتال.

وشرطنا أن لا يجب عن نفسه عوض هو مال حتى قلنا: إن من قتل خطأ يغسل؛ لأنه اعتاض عن دمه بدل هو مال، فلا يكون في معنى شهداء أُحد.

يوضحه: أن الشهيد من سلم نفسه لابتغاء مرضات الله تعالى لنيل الجنة قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْولَهُمْ} (التوبة: 111) فمن استوجب الدية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015