والشهيد أحق بالكرامات، وإنما لم يغسل شهداء أحد؛ لأن الجراحة فشت في الصحابة في ذلك اليوم، وكان يشق عليهم حمل الماء من المدينة؛ لأن عامة جراحاتهم كانت ... في رسول الله عليه السلام لذلك.

وإنا نحتج بما روي عن رسول الله عليه السلام أنه قال في شهداء أُحد (117أ1) «زملوهم بكلومهم ودمائهم» وفي رواية «واروهم بثيابهم ولا تغسلوهم فإنه ما من جريح يجرح في سبيل الله تعالى إلا وهو يأتي يوم القيامة وأوداجه تشخب دماً» ، وفي رواية «فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دماً اللون لون الدم، والريح ريح المسك» ، وشهداء أُحد كانوا مكلفين طاهرين إذ لم ينقل أنه كان فيهم صبي، أو جنب، وقد قتلوا ظلماً في قتال أهل الحرب، وما اعتاضوا عن دمائهم عوض هو مال، وما حملوا عن مكانهم أحياء، وما انتفعوا بحياتهم، وما عاشوا يوماً أو ليلة بعد الجراحة. فكل من كان في معناهم يلحق بهم في حق سقوط الغسل، وما لا فلا.

وكذلك من قتل في قتال أهل البغي لأنه إنما حارب لإعزاز دين الله تعالى، فصار كالمحارب مع أهل الحرب، وقد صح أن عمار بن ياسر قتل بصفين فقال: لا تنزعوا عني ثوباً، ولا تغسلوا عني دماً، وارمسوني في التراب رمساً، فإني رجل محاج أحاج معاوية يوم القيامة، وزيد بن صومان قتل يوم الجمل فقال: لا تنزعوا عني ثوباً، ولا تغسلوا عني دماً فإني مخاصمهم يوم القيامة، وعن صخر بن عدي أنه قتله معاوية، وكان مقيداً فقال: لا تنزعوا عني ثوباً، ولا تغسلوا عني دماً، فإني ومعاوية ملتقي يوم القيامة على الجادة.

وكذلك من قتل في قتال قطاع الطريق؛ لأنهم في معنى أهل الحرب.

ألا ترى أن الله تعالى وصفهم بكونهم محاربين الله ورسوله.

وكذلك من قتل مدافعاً عن نفسه، أو ماله، أو أهله، فهو شهيد قال عليه السلام: «من قتل دون ماله فهو شهيد» ؛ ولأنه في معنى شهداء أُحد.

والمعنى في المسألة: أن غسل الميت إنما شرع لإزالة نجاسة ثبتت بالموت بسبب احتباس الدم السائل في العروق كما في سائر الحيوانات التي لها دم سائل، والدليل على أن النجاسة إنما ثبتت بسبب احتباس الدم السائل في العروق، فإن ما ليس له دم سائل من الحيوانات لا ينجس بالموت، والقتل على سبيل الشهادة يزيل الدم السائل عن العروق فلا تثبت نجاسة الموت بخلاف الموت؛ لأن النص ما ورد فيه، فبقي هو على النجاسة الأصلية. وأما الجواب عما قاله الحسن رحمه الله: أن الجراحات فشت في الصحابة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015