الرجل، والبلد الذي تأهل به ووطن سفر وسمي وطن حادث، وهو البلد الذي ينوي المسافر الإقامة فيه خمسة عشر يوماً أو أكثر، ووطن سكنى وهو البلد الذي ينوي المسافر الإقامة فيه أقل من خمسة عشر يوماً.

ومن حكم الوطن الأصلي أن ينتقض بالوطن الأصلي، لأنه مثله والشيء ينتقض بما هو مثله حتى لو انتقل من البلد الذي تأهل به بأهله وعياله وتوطن ببلدة أخرى بأهله وعياله لا تبقى البلدة المنتقل عنها وطناً له.

ألا ترى أن مكة كانت وطناً أصلياً لرسول الله عليه السلام ثم لما هاجر منها إلى المدينة بأهله وعياله وتوطن ثم انتقض وطنه بمكة حتى قال عام حجة الوداع: «أتموا صلاتكم يا أهل مكة، فإنا قوم سفر» .

ولا ينتقض هذا الوطن بوطن السفر ولا بوطن السكنى؛ لأن كل واحد منهما دونه، والشيء لا ينتقض بما هو دونه، وكذا لا ينتقض بإنشاء السفر، ألا ترى أن رسول الله عليه السلام خرح من المدينة إلى الغزوات مراراً، ولم ينتقض وطنه بالمدينة حتى ما يجدد نية الإقامة بعد رجوعه، وإن كان له أهل ببلدة فاستحدث ببلدة أخرى أهلاً فكل واحد منهما وطن أصلي، وروي أنه كان لعثمان أهل بمكة وأهل بالمدينة، وكان يتم الصلاة بهما جميعاً.

ومن حكم وطن السفر أنه ينتقض بالوطن الأصلي لأنه فوقه وينتقض بوطن السفر لأنه مثله وينتقض بإنشاء السفر لأنه ضده ولا ينتقض بالوطن السكنى؛ لأنه دونه.

ومن حكم وطن السكنى أنه ينتقض بكل شيء بالوطن الأصلي، وبوطن السفر وبوطن السكنى وبإنشاء السفر.

وعبارة المحققين من مشايخنا رحمهم الله: أن الوطن وطنان وطن أصلي ووطن سفر ولم يعتبروا وطن السكنى وطناً وهو الصحيح، وهذا لأن المكان إنما يصير وطناً بالإقامة فيه، ولم يثبت حكم الإقامة في الوطن للسفر بل حكم السفر فيه باقٍ لما ذكرنا أن أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوماً، وإذا لم يثبت فيه حكم الإقامة لم يعتبر هو وطناً أصلاً فكيف يترتب عليه حكم الانتقاض؟ بيان هذا الأصل من المسائل.

خراساني قدم بغداد، وعزم على الإقامة بها خمسة عشر يوماً ومكي قدم كوفة وعزم على الإقامة بها خمسة عشر يوماً ثم خرج كل واحد منهما من وطنه يريد قصر ابن هبيرة؛ لأنهما كانا متوطنين أحدهما ببغداد والآخر بكوفة ولم يقصدا مسيرة مدة السفر؛ لأن من بغداد إلى الكوفة مسيرة أربع ليال والقصر هو المنتصف، فكان كل واحد منهما قاصداً مسيرة ليلتين، وبهذا لا يصيرا مسافرين، فإن عزما على الإقامة بالقصر خمسة عشر يوماً صار القصر وطن سفر لهما، وانتقض وطن الكوفي بكوفة ووطن الخراساني ببغداد بوطن مثله، فإن خرجا بعد ذلك يريدان الكوفة صليا أربعاً في الطريق، وبالكوفة؛ لأنهما قصدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015