سئل نجم الدين النسفي رحمه الله: عن رجل ادعى أرضاً في يدي رجل أنها ملكه، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، فقال المدعى عليه: هي ليست بملكي، إنما هي وقف على كذا وأنا متوليها، فطلب القاضي من المدعى عليه بينة على ما قال، فلم يمكنه إقامة البينة على ما قال، فأمر القاضي المدعى عليه بتسليم الأرض إلى المدعي لتكون في يده، إلى أن يقييم البينة على ما قال، قال: كل ذلك خطأ، ليس ينبغي للقاضي أن يطلب البينة من المدعى عليه على مقالته، ولا أن يأمر المدعى عليه بتسليم الأرض إلى المدعي، وإنما على المدعي إقامة البينة على دعواه الملك على المدعى عليه، وبينته على ذلك على المدعى عليه مقبولة، لأنه متولٍ بزعمه، والمتولي خصم لمن يدعي الملك لنفسه في الوقف.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله قال هشام: سألت محمداً عن رجل في يده دار ادعاها رجل وقدم صاحب اليد إلى القاضي، فأقر صاحب اليد أنه اشترى هذه الدار من هذا المدعي وادعى أنّ له بينة، هل يؤمر صاحب اليد بتسليم الدار إلى المدعي بحكم هذا الإقرار؟
قال: أما في القياس فنعم، ولكن أدع الدار في يده استحساناً، وآخذ منه كفيلاً وأؤجله إلى ثلاثة أيام، فإن أحضر بينة وإلا قضيت عليه.
وفيه أيضاً قال خلف بن أيوب: سألت شداداً عمن مات وترك مئتي درهم، فأقام رجل البينة بمئة درهم، وقضى القاضي له بها، ثم جاء رجل آخر وادعى مائة درهم على الميت، وأنكر الورثة ذلك، ولا بينة للمدعي، فأقر الذي قضي له بالمئة لهذا المدعي الذي أنكرت الورثة، ما حكم هذه؟ قال: المائة التي أخذها المقضي له تكون بينهما نصفين؛ لأن المقضي أقر أنه غريم مثله، وأن دينهما سواء وإقراره حجة في حقه، قال خلف: وبه أخذ والمسألة مسطورة في الكتب
في «فتاوى أبي الليث» أيضاً: رجل في يديه نصف دار؛ جاء رجل وادعى أنه وقف هذه الدار وكانت له يوم وقفها، وشهد الشهود بوقفيته جميعاً، والشهود شهدوا على موافقة دعواه، أكثر ما فيه أن في يد المدعى عليه نصفها، ولكن هذا النصف دخل في الدعوى ودخل في الشهادة أيضاً فتقبل الشهادة عليه، وهو نظير دار في يدي رجلين، ادعى رجل على أحدهما ملكية جميع هذه له، وشهد له الشهود بذلك تقبل شهادتهما على ما في يد هذا المدعى عليه، وطريقه ما قلنا.
وفيه أيضاً: رجل زوج ابنه امرأة وسمى لها منزلاً، وباعها منه بيعاً صحيحاً، ثم إن هذا الرجل مات، وادعى ورثته أن أباهم باع هذا المنزل من فلان قبل أن يسميه لها، فإنهم لا يصدقون على ذلك والميراث لها، وعلى فلان أن ما يقم البينة على ميراثه بتاريخ قبل تاريخ شراء المرأة، ولا تقبل شهادة الورثة في ذلك، لأنهم بشهادتهم يريدون إبراء أنفسهم عن عهدة شراء المرأة، فإن المرأة لو وجدت المنزل عيناً ردته عليه وخاصمتهم، فكانوا متهمين في هذه الشهادة.