إذا قال: لا حق لفلان قبلي، ثم قال: له عليّ ألف درهم، وكذلك إذا قال الرجل: هو ابني من نكاح، فإنه يثبت النسب منهما، والمعنى ما ذكرنا.
رجل تزوج امرأة لا تحل له، فأغلق الباب وأرخى الستر لم يكن لها عليه مهر، والمسألة معروفة في كتاب «النكاح» ، فإن جاءت بولد لستة أشهر منذ خلا بها، فإن نسبه يثبت منه، وهذا لأن ولادة الولد لستة أشهر منذ خلا بها دليل ظاهر على دخوله بها في حالة الخلوة، وإن كان ممنوعاً عن وطئها شرعاً، والعمل بالظاهر واجب حتى يقوم الدليل على خلافه، ومن ضرورة الوصول بها ثبوت النسب؛ لأن النكاح الفاسد بعد الدخول ملحق بالنكاح الصحيح في حق ثبات النسب، ويجب المهر لأنا قد حكمنا بالدخول، والدخول في النكاح الفاسد يوجب المهر، وهذا الذي ذكرنا قول أبي حنيفة رحمه الله، وأما على قول أبي يوسف ومحمد: هذا النكاح غير منعقد أصلاً لا جائزاً ولا فاسداً، لأنه أضيف إلى غير محله، ولهذا يوجب الحد على قولهما، وإذا لم ينعقد هذا النكاح عندهما صار وجوده والعدم بمنزلة، فكان فعله زناً محضاً، فلا يثبت النسب، ولا يجب المهر والعدة.
نوع أخر في المرأة إذا تزوجت وزوجها حي وجاءت بالأولاد فالأولاد لمن تكون؟
قال: وإذا نعي إلى المرأة زوجها واعتدت عدة الوفاة، وتزوجت بزوج آخر وولدت من هذا الزوج الآخر، ثم جاء الأول حياً، أجمعوا على أن المرأة ترد على الأول. واختلف في الأول، قال أبو حنيفة: الأولاد للزوج الأول على كل حال، وقال أبو يوسف ومحمداً: إذا جاءت بالولد لأكثر من سنتين منذ دخل بها الزوج الثاني، فالولد للزوج الأول، وإن جاءت به لستة أشهر منذ دخل بها الزوج الثاني إلى سنتين. قال أبو يوسف: هو للثاني، وقال محمد: هو للأول، وروى أبو عصمة سئل ابن معاذ عن إسماعيل بن حماد عن عبد الكريم الجرجاني عن أبي حنيفة أنه رجع عن هذا القول وقال: الأولاد للثاني. فوجه قولهما: أن الثاني يساوي الأول في السبب الموجب لثبات النسب وهو الفراش، وترجح على الأول بحكم الوطء وما يقوم مقامه وهو الخلوة الصحيحة.
بيانه: أن الأول إن كان له فراشاً فلا وطء منه لا حقيقة * وهذا ظاهر * ولا حكماً، لأنه غير متمكن من وطئها حقيقة لسبب الغيبة، وإنما يعتبر الإنسان واطئاً حكماً إذا كان متمكناً منه حقيقة، فهو معنى قولنا إن الثاني ترجح على الأول بالوطء حقيقة، أو ما يقوم مقامه، فوجب أن يثبت النسب من الثاني دون الأول، وإن كان فراش الثاني فاسداً، وفراش الأول صحيحاً قياساً على امرأة الصبي إذا زوجت نفسها من رجل، وجاءت بالولد، فإن هناك الولد يكون للثاني، وفراشه يثبت بنكاح فاسد، ونكاح الصبي صحيح ما كان الطريق فيه سوى أن الثاني ترجح على الصبي بالوطء، وهذا بخلاف ما لو كان الزوج الأول حاضراً؛ لأن الحاضر متمكن من وطء المرأة كالثاني فاستويا في التمكن من الوطء، وترجح الأول بحكم الصحة.