وإذا أقر الرجل بالزنا بامرأة حرة أو أمة، وادعت المرأة نكاحاً جائزاً أو فاسداً؛ لا يثبت النسب من الرجل وإن ملكه؛ لأن النكاح لم يثبت بقولها لما أنكر الزوج النكاح، بقي الفعل زنا في حق الزوج كما أقر، وبالزنا لا يثبت النسب وإن ملكه الزاني إلا أنه يعتق عليه إذا ملكه؛ لأنه جزؤه وإن لم يكن منسوباً إليه شرعاً، وكما لا يثبت الإنسان الرق على نفسه لم يثبت له الرق على جزئه ولا حد عليه، فقد عرف في كتاب «الحدود» أن الحد يسقط بدعوى أحد الواطئين النكاح وعليه العقر؛ لأن الوطء الحرام في دار الإسلام لا يخلو عن عقوبة أو غرامة وتعذر إيجاب العقوبة فتجب الغرامة، وكذلك إذا أقامت شاهداً واحداً لا يثبت النسب من الرجل وإن كان الشاهد عدلاً؛ لأن شهادة شاهد واحد ليست بحجة في إثبات النكاح، فصار وجودها في حق ثبوت النكاح والعدم بمنزلة وعليه العقر، وعليها العدة؛ لأن العدة حق الله تعالى، وقول الواحد العدل حجة في حقوق الله تعالى، فيثبت النكاح بهذه الشهادة في حق وجوب العدة، وإن لم يثبت في حق ثبوت النسب؛ لأن ذلك من حقوق العباد.
وإذا ادعى الرجل النكاح وادعت المرأة الزنا، ذكر في «الأصل» : أنه إن كان الولد في يد الزوج يثبت نسب الولد منه؛ لأن الولد إذا كان في يده لو ادعى تصح دعواه لقيام يده، مع أنه إقرار على الولد، فإذا ادعى نسبه لأن تصح دعواه وأنه إقرار للولد كان أولى، وإن كان الولد في يدي المرأة لا يثبت نسبه من الرجل إلا ببينة، فإن ملكه يوماً من الدهر يثبت نسبه منه، ويصير كا لمجدد لذلك الإقرار، وكذلك إذا ملك أمة تصير أم ولد له.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: في رجل ادعى ولداً في يدي امرأة وقال: هذا ولدي منك من الزنا، قال: فإني أثبت نسب الولد منه، وأقضي بالمهر عليه. ويتبين بما ذكر ابن سماعة أن ما ذكر في «الأصل» أنه إذا كان الولد في يدي المرأة لا يثبت نسبه من الرجل قول محمد.
قال في «الأصل» : وكذلك إذا أقام الرجل شاهداً واحداً على النكاح لا يثبت النسب من الرجل، يريد به: إذا كان الولد في يد المرأة، وكذلك إذا أقام شاهدين غير أنهما لم يزكيا، أو كانا محدودين في قذف أو أعميين، فإني لا أثبت النسب، وأوجب المهر والعدة؛ لأن النكاح لا يثبت بشهادة الفاسقين والأعميين والمحدودين في القذف، كما لا تثبت بشهادة الواحد، فصار الجواب في هذه الصورة نظير الجواب في الشاهد الواحد.
وإذا كان للرجل امرأة ولدت على فراشه ولداً، فقال الزوج: زنيت بها وولدت هذا منه، وصدقته المرأة في ذلك؛ كان نسب الولد يثبت لأنه ولد نكاح، وولد النكاح ثابت النسب من صاحبه لا ينتفي نسبه الا باللعان، ولا لعان بينهما لإقرارها على نفسها بالزنا.
وإذا قال: الصبي في يدي امرأة هذا ابني من الزنا، وقالت المرأه: لا بل من النكاح، فقال الزوج بعد ذلك: هو من النكاح، يثبت النسب من الرجل؛ لأن إنكاره السابق لا ينافي إقراره اللاحق كما في باب المال.