نوع آخر في دعوى غلام أنه ابن فلان ولد على فراشه من أمته هذه، ودعوى فلان كون الغلام عبداً له ولدته أمته هذه زوجها عبده فلان.

قال محمد رحمه الله: ولو أن غلاماً احتلم أقام بينة أنه ابن فلان، ولد على فراشه من أمته هذه وقال فلان: إنه عبدي ولدته أمتي هذه، زوجتها من عبدي فلان، فهذا على وجهين:

الأول: أن يكون العبد حياً ويدعي ذلك، وفي هذا الوجه يثبت نسب الغلام من العبد، وهذا مشكل لأن الغلام في يد نفسه، واليد معتبرة ترجيحاً في دعوى النسب، ولا تثبت حرية نفسه من الأصل، وحق العتق للأم، وبينة العبد تثبت رقهما، والجواب: أن الترجيح باليد وبإثبات الحرية إنما يقع إذا استوت البينتان في الإثبات فيما وقع فيه الدعوى، أما إذا كان إحدى البينتين أكثر إثباتاً فيما وقع فيه الدعوى معتبرة الترجيح بكثرة الإثبات كما في دعوى الملك المطلق لم يعتبر الترجيح باليد كما كانت بينة الخارج أكثر إثباتاً فيما وقع فيه الدعوى؛ لأن العبد ببينته يثبت نسب الغلام بفراش النكاح، والغلام يثبت نسبه من المولى بفراش ملك اليمين والنسب الثابت بفراش النكاح آكد؛ حتى لا ينفى نسب فراش النكاح بمجرد النفي، فكانت بينته أكثر إثباتاً فيما وقع فيه الدعوى، فكانت أولى بالقبول، وإذا قبلنا بينة العبد كان الغلام وأمه رقيقين للمولى.

والوجه الثاني: إذا كان العبد ميتاً، أو كان حياً إلا أنه يدعي نسب الغلام ولا يدعي النكاح ومولى الأمة أيضاً ميت، وإنما يدعيه ورثة الميت ويقيمون البينة على ذلك، وفي هذا الوجه يقضى بنسب الغلام من مولى الغلام، ويرث مع سائر ورثته لأن بينة الورثة قامت على إثبات النكاح للعبد وهم أجانب عن نكاح العبد، والبينة إنما تقبل من صاحب الحق لا من أجنبي فكأن الورثة لم يقيموا بينة على ما ادعوا، أو يقول الورثة بهذه البينة لا يثبتون لأنفسهم شيئاً، لا النكاح ولا النسب، وإنما غرضهم من هذه البينة نفي نسب الغلام من المولى، والبينة على النفي لا تقبل، فإذا لم تقبل بينته أنه من هذه الأمة فهو ابن العبد لأن العبد ببينته يثبت النسب بفراش النكاح والمتولي يثبت النسب بفراش ملك اليمين فكانت بينة العبد أكثر إثباتاً، وكذلك إن الغلام بينته أنه ابن العبد لما ذكرنا.

ولو أن رجلاً مات وترك أموالاً كثيرة فجاء غلام قد احتلم ومثله يولد للميت، فأقام بينة أنه ابن الميت من أمته فلانة وولدته في ملكه، وأن الميت أقر بذلك، وأقام رجل آخر بينة أن هذا العبد عبده، وأن الأمة أمته، زوجها غيره فلان فولدت منه هذا الولد، وإن كان العبد حياً ويدعي ذلك فهو ابن العبد لما ذكرنا في المسألة المتقدمة أن بينة العبد أكثر إثباتاً فيما وقع فيه الدعوى، ويقضي بالأمة للمدعي؛ لأن البينتان في حق الأمة قامت على الملك المطلق والمدعي خارج، فيقضي ببينة المدعي في الأمة، وإن كان العبد ميتاً أو كان حياً إلا أنه أنكر النكاح؛ فإن نسب الغلام يثبت من الميت الذي أقام الغلام البينة أنه ابنه ويرث منه؛ لأن بينة المدعي على إثبات نكاح الغلام غير مسموعة لأنها تثبت نكاح الغير، والبينة على إثبات نكاح الغير لا تقبل من غير دعوى صاحب النكاح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015