ولم يتصور منه إثباته بسبب ما وقع فيه الدعوى، كان المدعى عليه أجنبياً عما وقع فيه الدعوى من كل وجه، ولم يكن خصماً للمدعي، فلا تقبل بينته عليه.
وإن كان المدعى عليه ممن لا يجوز إقراره للمدعي بما وقع فيه الدعوى إلا أنه يتصور من المدعى عليه إثبات نسب ما وقع فيه الدعوى تقبل البينة؛ لأنه لما تصور منه إثبات النسب ذلك كان خصماً فيه، أو وقع فيه الدعوى من كل وجه وذلك كالرجل يدعي على امرأة أنه ابنها وأقام بينة على دعواه؛ قبلت بينته حتى أنه إذا كان لها زوج يثبت نسب هذا الولد من زوجها، وإن كانت لو أقرت بذلك لا يصح إقرارها حتى يثبت نسب الابن المقر به من زوجها؛ لأنها تحمل نسبه على غيرها وهو الزوج، لأنه إن كان لا يصح إقرارها بالبنوة يتصور منها ما هو سبب ثبوت البنوة وهو الولادة، فإن ولادتها سبب لثبوت نسب الولد منها كما في ولد الملاعنة والزنا، فكان المدعي ادعى عليها أنها ولدته، فكان مدعياً عليها فعلاً يتصور منها، فكان خصماً للمدعي في حق سماع البينة عليه، وإن كان لا يجوز إقراره.
ثم ما ذكرنا أن إقرار المرأة بالولد باطل مستقيم على رواية «الأصل» والفرائض، غير مستقيم على رواية «الجامع» ، فقد ذكر في «الجامع» : أن إقرار المرأة بالولد جائز، وسيأتي الكلام فيه في خلال المسائل إن شاء الله تعالى.
وبعد الوقوف عليها جئنا إلى المسائل: قال محمد رحمه الله في «الجامع» : لو أن رجلاً ادعى على رجل أنه أخوه لأبيه وأمه وهو يجحد فقدمه إلى القاضي؛ فالقاضي يسأل المدعي ويقول: ماذا تريد؟ فإن قال: لا حق لي قبله من نفقة ميراث، ولكن أريد إثبات نسبي لا غير، فالقاضي لا يلتفت إلى دعوته ولا يسمع بينته عليه إن أقامها، أما الأصل الأول: فلأن هذه بينة قامت على غائب وهو الأب والأم؛ لأن نسبه يثبت من الأب، ولا يثبت من الحاضر المدعى عليه، لأن نسب أحد الأخوين لا يثبت من الآخر، فدل أن هذه بينة قامت على الأب، وهذا الحاضر ليس بخصم عنها في هذه الدعوى، ولا من طريق الحكم، أما من طريق الإرث: لأن الوارث لا ينتصب خصماً عن الأب والأم من النسب حالة الحياة وبعد الوفاة؛ لأنه ليس بمال، ولا أثر من آثار المال، ولم يدع أيضاً على الحاضر شيئاً لا يتوصل إلى ذلك إلا بإثبات النسب من الغائب، فلم ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب، والبينة القائمة على غير الخصم لا تقبل.
وأما على الأصل الثاني: فلأن المدعى عليه ممن لا يجوز إقراره بما وقع فيه الدعوى وهو الأخوة، ولا يتصور منه إثبات نسب الأخوة، وهو إيلاد أبيه وولادة أمه، فلهذا قال: لا تقبل.
وإن قال المدعي: أنا أدعي عليه ميراثاً أو نفقة أو غير ذلك مما يستحق بالأخوة؛ جعله القاضي خصماً للمدعي، ويسمع بينة المدعى عليه، أما على الأصل الأول فلأن هذه بينة قامت على خصم حاضر، لأن ما يدعيه المدعي من الحق على الحاضر لا يتوصل إلى إثباته إلا بإثبات النسب من الأبوين، فانتصب المدعى عليه الحاضر خصماً