الإعتاق فإنشاء تصرف مبتدأ للحال، وإنه تصرف لا يصح إلا في الملك، وليس للمشتري حالة الإعتاق لا ملك مات، ولا ملك موقوف متى كان الخيار للبائع على ما عرف في موضعه، فلم يصح الإعتاق حتى لو أخرج الكلامان في الإعتاق مخرج الإخبار بأن كان قال: هذا كان حراً قبل شرائي يوقف ذلك منه.
وإذا أخذ الرجل أمتين من رجل على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء بألف درهم ويرد الأخرى فولدتا عنده، وأقر أنهما منه، إلا أنه لم يبين التي وطئها أولاً، فإقراره صحيح في ولد أحدهما وهي التي تناولها البيع، وهذا لأن خيار المشتري لا يمنع صحة دعواه، ولكن البيع تناول أحدهما بغير عينها، ويتبين باختيار المشتري فيؤمر بالبيان ما دام حياً، فإن مات قبل البيان فالبيان إلى الورثة؛ لأنهم قاموا مقام الميت في خيار التعيين، فيكون لهم البيان للمورث لو كان حياً.
فإن قالت الورثة: إن أبانا وطء هذه الجارية أولاً، فإنه يثبت نسب ولد هذه من الميت، ويرث معه، وتصير هي أم ولد للميت وتعتق بموته، وعلى الورثة ثمن هذا للبائع يؤدون ذلك من تركة الميت، ويردون الأمة الأخرى على البائع مع عقرها، فتكون أمة البائع كما لو حصل هذا البيان من الميت.
وإن قال بعض الورثة: إن أبانا وطء هذه أولاً، وقال بعض الورثة: لا بل وطء هذه الأخرى أولاً، كانت التي قال لهما بعض الورثة أولاً هي التي وطئها الميت أولاً متعينة للاستيلاد، ويرد الأخرى.
فرق بين هذا وبينما إذا أوصى الرجل أن يعتق أحد عبديه، ثم مات وله ولدان، فأعتق أحدهما أحد العبدين وأعتق الآخر العبد الآخر، فإن الآخر يتعين لتنفيذ الوصية فيه دون الأول.
والفرق: أن في مسألتنا هذه الوارث قام مقام المورث في البيان بحكم الملك لا بحكم الأمر؛ لأن المورث لم يأمرهم بالبيان، وإنما ثبت لهم البيان بحكم الملك؛ لأنهم ورثوا ما كان ملكاً للميت، وإنه مختلط بملك الغير، والملك ثابت للكل، فيكون تعيين أحدهم كتعيين الميت لو كان حياً. ولو كان الميت حياً وقال: وطئت هذه أولاً، كان الإقرار منه صحيحاً، والرجوع باطلاً كذا من الورثة.
أما في تلك المسألة التعيين إلى الوارث بحكم الأمر لا بحكم الملك، ألا ترى أنه لو مات ولم يأمرهم لا يصح إعتاقهم عن الميت، وإذا كان التعيين إليهم بحكم الأمر، فإنما يصير إعتاق الوارث كإعتاق الميت أن لو وافق أمره، والميت أمر بإعتاق عبد يجتمعان على تعيينه، وإنه تنفيذ لتفاوت العبدين كما لو حصل الأمر في حالة الحياة، فإذا أعتق أحدهما عبداً، فهذا إعتاق لم يوافق أمر الآمر، فلا ينفذ على الميت بل ينفذ على المعتق؛ لأن له نصيباً فيه، وإذا أعتق بعض هذا العبد من ابن المعتق لم يبق هو محلاً لتنفيذ الوصية، فيتعين العبد الآخر لتنفيذ الوصية فيه، ويصح إعتاق الابن الآخر بانفراده فيه، لأن اجتماعهما على إعتاق عبد بعينه لا يفيد؛ فهذا هو الفرق.