ثم عاد محمد رحمه الله إلى صدر المسألة فقال: لو أن الموصى له أقام البينة أن فلاناً مات، ولم يدع وارثاً وأوصى له بالألف التي قبل فلان، وقال الشهود: لا نعلم له وارثاً، والذي قبله المال مقر بالمال الذي قبله، فالقاضي يقضي بالمال للموصى.
فرق بين هذا وبينما إذا كان للميت وارث والفرق وهو: أنه إذا كان للميت وارث لا يمكن أن يجعل الموصى له بمنزلة الوارث لما فيه من إبطال من جعله الشرع وارثاً في قدر الموصى به، وليس للعبد ولاية إبطال ما أثبته الشرع فجعل الإيصاء ثمة تمليكاً، وجعل الموصى له متملكاً على الميت بمنزلة الموهوب له والمشتري، فلم يكن الموصى له نائباً عن الميت، فلا ينتصب المودع، والغاصب خصماً له، فأما إذا لم يكن للميت وارثاً فالموصى له يجعل وارثاً؛ لأن الموصي أقامه مقام نفسه فيما يتركه، وهذا هو تفسير الوارث، وأمكن جعله وارثاً؛ لأن جعله وارثاً لا يؤدي إلى إبطال ما أثبته الشرع فجعل كالوارث، وقد بينا أن يد المدعي لا يدفع خصومة الوارث.
استشهد فقال: ألا ترى أن الشهود لو شهدوا أن الميت أقر عند موته أنه أخوه لأبيه وأمه لا يعلمون له وارثاً غيره جعلت الميراث له وصار المودع خصماً، وإن ثبت نسبه من أبيه ما لم يكن للمقر وارث كذا هاهنا.
وذكر في «الأقضية» عن محمد: إذا مات الرجل، وقد كان أوصى إلى رجل أي جعله وصياً، وقبل الوصي الوصاية في حياته أو بعد موته، وجاء إلى القاضي يريد إثبات وصايته، فالقاضي ينظر فيه إن كان أهلاً للوصاية يسمع دعواه إذا حضر مع نفسه من يصلح خصماً له قال: والخصم في ذلك وارث أو موصى له أو رجل للميت عليه دين، أو رجل له على الميت دين أما الوارث فلأن الوصي يدعي أن يده فوق يد الوارث في مال الميت رأياً وتدبيراً وتصرفاً، والوارث ينكر ذلك فيكون خصماً له.
وأما الموصى له فلأنه بمنزلة الوارث، وأما الغريم الذي للميت عليه دين؛ فلأنه يدعي حق استيفائه ما عليه من الدين، وهو ينكر، وأما الغريم الذي له على الميت دين فقد قال: بعض مشايخنا: إنه لا يكون خصماً له؛ لأنه لا يدعي عليه شيئاً فكيف يكون خصماً له، وقال الخصاف: يكون خصماً؛ لأنه يريد أن يدفع خصومته في الدين، وإنما يكون له ذلك بعد إثبات الوصاية، هذه الجملة من كتاب «الأقضية» .
وفي «المنتقى» : رواية إبراهيم رحمه الله: رجل مات وعليه دين وأوصى بثلث ماله أو بدراهم مسماة لرجل فيأخذها الموصى له، ثم الغريم والورثة شهود أو غيب، قدم الموصى إلى القاضي فالموصى له لا يكون خصماً، وأشار إلى أن الوصية متى حصلت بقدر الثلث، فالموصى له لا يعتبر بالوارث.
وإذا حصلت الوصية بما زاد على الثلث وصحت بأن لم يكن ثمة وارث، فالموصى له خصم للغريم في هذه الحالة، ويعتبر الموصى له في هذه الحالة بالوارث؛ لأن استحقاق ما زاد على الثلث من خصائص الوارث، والوارث ينتصب خصماً للغريم ففي حق الوصي يجب أن يكون الجواب كذلك وصاحب «الأقضية» ذكر الموصى له مطلقاً من