وارث أم لا؟ فأقام البينة على موته وعلى أنه وارث تقبل البينة، وينتصب هو خصماً للوارث.

والفرق وهو: أن الواث خليفة الميت قائم مقام الميت فكونه مودعاً أو غاصباً لا تندفع خصومة صاحب الوديعة والغصب عن نفسه حتى لو قال المودع أو الغاصب: لا أدري أنت الذي أودعتني، أو غصبت منك أم لا؟ لا تندفع عنه هذه الخصومة بهذا القول، فكذلك كونه مودعاً أو غاصباً لا تندفع خصومة خليفته، أما الموصى له ليس بخليفة عن الميت، فإنما ينتصب المدعى عليه خصماً له باعتبار يده، وتعذر جعل المدعى عليه خصماً له بحكم اليد على ما مرَّ، فلهذا افترقا هذا الذي ذكرنا.

إذا كان الذي قبله المال مقراً بالمال فإن قال الذي في يديه المال: هذا ملكي، وليس عندي من مال الميت شيء، صار خصماً للمدعي؛ لأنه نازعه بدعوى الملك فصار خصماً له في إثبات الملك وفي إثبات سببه.

وصار كرجل ادعى عيناً في يد رجل أنه اشتراه من فلان الغاصب، وصاحب اليد يقول: هو لي فإنه ينتصب خصماً للمدعي كذا هاهنا، وإذا جعله القاضي خصماً في هذا الوجه قضي له بثلث ما في يده المدعى عليه؛ لأن محل الوصية الثلث، والقاضي لم يعرف للميت مالاً آخر، فيقضي له بثلث هذا المال إلا أن يقيم المدعي بينة أن الميت ترك ألفي درهم غير هذه الألف، وأن الوارث قبض ذلك فحينئذٍ يقضي القاضي للموصى له بكل هذه الألف؛ لأنه أثبت استحقاق كل الألف لنفسه بالبينة العادلة.

فلو حضر الوارث بعد ذلك وقال: لم أقبض من مال الميت شيئاً لم يلتفت إلى قوله؛ لأنه صار مقضياً له عليه بوصول ألفي درهم إليه في ضمن ثبوت الألف ثلثا التركة.

ولو كان مكان الموصى له غريماً يدعي ديناً على الميت والمسألة بحالها لم يكن الذي قبله المال خصماً سواء كان صاحب اليد مقراً أو جاحداً، أما إذا كان مقراً؛ فلأنه لا ينتصب خصماً للموصى له في هذا الوجه مع أنه لا يدعي شركة في العين كان أولى، وأما إذا كان جاحداً؛ لأنه لا يدعي عيناً في يد صاحب اليد، وإنما يدعي ديناً على الميت، واستحقاق العين تابع له، فإذا لم يصلح خصماً في الأصل لا يصلح خصماً في البيع أيضاً.

فإن أقام هذا المدعي بينة أن فلاناً مات ولم يدع وارثاً ولا وصياً يقبل القاضي بينته، وكان ينبغي أن لا تقبل هذه البينة لأنها قامت على غير خصم، والجواب لا بل قامت على خصم وهو القاضي، لأن الشهود لما شهدوا أنه لم يترك وارثاً فقد شهدوا أن تركة الميت لجماعة المسلمين فالمدعي يدعي حقاً في مال جماعة المسلمين، ولا يمكنه الخصومة مع جماعة المسلمين، فينتصب القاضي خصماً عن جماعة المسلميين لكونه نائباً عن المسلمين؛ ولأنه يدعي بهذا وجوب نصب الوصي على القاضي حُسبةً والقاضي قيماً على نفسه (207ب4) يصلح قاضياً، وإذا قضى القاضي بهذه البينة ينتصب عن الميت وصياً، ويأمر المدعي أن يقيم البينة عليه بذلك الدين، فإذا فعل قبل بينته على الدين، وأمر الذي قبله المال بقضاء الدين إلى الغريم؛ إن كان الذي قبله المال مقراً بذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015