آخر لم يجعله خصماً؛ لأن الثاني يدعي نصف الثلث لنفسه ولم يعرف هذا القاضي كون الثلث في يده لا من حيث الحقيقة، ولا من حيث الحكم لو ثبت ذلك إنما يثبت بإقرار الموصى له الأول، فإنه يقول: الثلث ملكي، وهو أمانة في يد الوارث، إلا أنه بهذا الإقرار لا يصير خصماً؛ لأن في الحقيقة هذه دعوى على الوارث فلا يصدق في ذلك، وإذا لم يصدقه القاضي في ذلك لم يثبت ما يوجب كونه خصماً.
ولو كان الموصى له الأول هو الغائب، والوارث حاضر، ولم يدفع القاضي إلى الموصى له الأول شيئاً، فالواررث خصم للموصى له الثاني، وإن خاصمه الثاني إلى قاضي آخر؛ لأن القاضي إنما يجعل الوارث خصماً عن الميت لكونه خلفاً عنه، والقاضي الثاني عالم بذلك، فأما الموصى له إنما يصير خصماً لكون المال في يده إما حقيقة أو حكماً، والقاضي الثاني لم يعلم بذلك وهذا كله إذا أقر الموصى له الأول أن المال الذي في يده بحكم الوصية من الميت، أو كان ذلك معلوماً للقاضي، أما إذا لم يكن شيء من ذلك والأول يقول: هذا مالي ورثته عن أبي والميت ما أوصى لي بشيء، وما أخذت من ماله شيئاً، فإنه يكون خصماً للموصى له الثاني.
بمنزلة ما لو ادعى رجل عبداً في يدي رجل أنه اشتراه من فلان، وقال ذو اليد: هوعبدي ورثته من أبي، فإنه يكون خصماً للمدعي ويقضي عليه ببينة المدعي كذا هاهنا. فإن قال: هذا المال وديعة عندي من جهة فلان الميت الذي يدعي الثاني الوصية من جهته، أو قال: غصبته مني، فلا خصومة بينهما؛ لأنهما تصادقا أن هذا المال وصل إلى الموصى له من جهة الميت فكانت يده يد وديعة أو يد غصب.
وأياً ما كان لا يكون يد خصومة في حق من يدعي تلقي الملك فيه من جهة المالك، كما في مسألة الشراء؛ إذا ادعى الذي في يديه العبد أن العبد في يده وديعة، أو غصب لفلان الغائب الذي ادعى المدعي الشراء من جهته، فإنه تندفع عنه الخصومة، وإن قال: هو وديعة عندي من جهة فلان؛ يعني به رجلاً آخر غير الموصي، أو قال: غصبته منه فهو خصم إلا أن يقيم بينة على ما قال؛ لأنه انتصب خصماً بظاهر اليد، فبمجرد دعواه أن يده يد وديعة أو يد غصب لا تندفع عنه الخصومة.
وكان الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله يقول: لا تندفع الخصومة في هذه الصورة، وإن أقام البينة وقاسه على ما إذا ادعى عيناً في يد إنسان أنه اشتراه من فلان الغائب، وهو يملكه، وذو اليد ادعى أن فلاناً آخر غير ذلك الغائب أودعه إياه فإن هناك لا تندفع عنه الخصومة، فهاهنا يجب أن يكون كذلك.
رجل هلك وترك مالاً ووارثاً واحداً فأقام رجل بينة أن له على الميت ألف درهم دين، فقضى القاضى له على الوارث ودفع إليه ألف درهم وغاب الوارث، فحضر غريم آخر للميت، وادعى عليه ألف درهم، فإن الغريم الأول لا يكون خصماً للغريم الثاني فرق بين الغريمين وبين الموصى لهما، فإن هناك إذا قضى القاضي للموصى له الأول بالثلث، ودفع إليه الثلث فحضر الثاني، فالأول ينتصب خصماً للثاني.