للمقر قبل أن يقر لي به، فقد وجب حق المقر الأول في العبد؛ فيقال للمقر له: أقم البينة على انتقاله منه إليك.

وفي «نوادر عيسى بن أبان» ثلاثة نفر أقاموا بينة على رجل بمالٍ لهم قبله من ميراثهم عن أبيهم، فقضى القاضي به لهم، ثم إن أحدهم قال بعد ذلك: ما لي في هذا المال الذي قضي لنا به على فلان من حق، وإنما هذا لإخوتي، قال: لا تبطل بهذا القول عن المقضي عليه شيء، إلا أن يقول: ما كان أصلاً في هذا المال شيء، وما هو إلا لإخوتي؛ فحينئذٍ يبطل حقه عن المقضي عليه. ولو قال قبل أن يقضي القاضي له بالمال: ما لي في هذا المال حق، وما هو إلا لإخوتي، يسأل عن ذلك بأي وجه صار لهما، وذلك وإن ما ادعيتم من ميراث أبيكم، فإن جاء بوجه يكون له فيه من قوله مخرج قبل منه.

وإن قال هذا القول ثم قضى القاضي للآخرين بالثلث وترك نصيب المقر، ولو كان الذين أقاموا البينة هم الذين ولوا معاملتهم ولم يدعوا المال إلا لهذين ما لي فيه حق؛ كان المال كله لهذين، ولم يبطل عن المدعى عليه شيء منه؛ لأنه قد يكون المال لرجل باسم رجل، وقال رجل يعمل به رجل آخر، رجل أقر وقال: هذا العبد تركه فلان ميراثاً، ثم ادعى أن فلاناً الميت أوصى بثلثه، وأقام على ذلك بينة قبلت بينته، ألا ترى أنه يقال تركه ميراثاً وأوصى به لي، وكذلك لو قال: تركه ميراثاً، ثم ادعى صفة في صحته لم أسمع دعواه ولم أقبل منه.

وفي «نوادر هشام» : قال: سألت محمداً عمن تزوج المرأة ثم ادعى أنه اشتراها ممن يملكها، قال: لا أقبل بينته على ذلك حتى يشهد أنه اشتراها من فلان وهو يملكها بعد التزويج، وكذلك لو ساوم بدار في يدي رجل ثم ادعى أنها له اشتراها من فلان وهو يملكها لم أقبل ذلك منه حتى يشهدوا أنه اشتراها من فلان بعد ذلك، وأقر الذي في يده الدار أنه وكيل البائع.

جارية منتقبة في يدي رجل، اشتراها منه رجل وهو بحضرتهما، فلما حلت نقابها قال المشتري: هذه جاريتي ولم أعرفها للنقاب؛ لا تقبل دعواه، ولا بينته وإن ساومه بمتاع في جراب مدرج، وقال البائع: هذا هروي فلما أخرجه من جرابه ونشره ورآه، قال: هذا متاعي، قبلت بينته.

وكذلك لو اشترى (204أ4) منه ثوباً في منديل، فقال له البائع: أبيعك هذا الثوب الذي في هذا المنديل؛ فلما اشتراه فأخرج له الثوب من المنديل، قال المشتري: هذا ثوبي ولم أره، قال: أقبل دعواه وبينته، قال محمد رحمه الله: إنما أنظر في ذلك الشيء، فإن كان يمكن أن يكون ساومه وهو يعرف مثل الجارية المنتقبة القائمة بين يديه، فهذا يمكن أن يعرف به ويمكن أن لا يعرف، فلا يقبل قوله: إني لم أعرفه إلا أن يصدقه الذي في يديه أنه لم يعرف فتقبل بينته، وإذا كان شيئاً لا يمكن أن يساومه وهو يعرف مثل ثوب في منديل لا يراه أو جارية قاعدة على رأسها كساء وغطاء لا يرى منها شيء أقبل بينته عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015