غير أن يحتاج فيه الى قضاء القاضي ألا ترى أنه قال: لو أقر أحد الورثة بذلك يلزمه الدين في حصته حتى يستغرق جميع حصته ولم يشترط فيه قضاء القاضي، وليس الأمر كذلك بل يحتاج الى قضاء للزوم المقر كل الدين في نصيبه؟

وإليه أشار محمد رحمه الله في «الزيادات» حيث قال: لو أقر الوارثان لرجل بالدين على الميت ومعهما ورثة أخرى فلم يقض القاضي بشيء بحكم إقرارهما حتى شهدا لذلك الرجل على الميت بذلك الدين قبلت شهادتهما، ولو قضى القاضي بالدين على المقرين في نصيبهما، ثم شهدا بذلك الدين لذلك الرجل على الميت لا تقبل شهادتهما؛ لأن في الوجه الأول لم يحولا إلى غيرهما بعض ما لزمها، ثم إنما لا يلزم المقر الدين في نصيبه خاصة بمجرد الإقرار قبل قضاء القاضي لوجهين:

أحدهما: أن هذا إقرار في معنى الشهادة؛ لأنه إقرار على الغير، وهو الميت ثم الشهادة لا تصير موجبة إلا بقضاء القاضي، فكذا الإقرار الذي مر في معنى الشهادة.

والثاني: أنه يحتمل أن رب الدين يجد بينة في ذلك أو يصدق باقي الورثة، فلو ألزمناه جميع الدين بإقراره في نصيبه في الحال فقد ألزمناه ذلك مع الاحتمال، وإنه لا يجوز، وإنما ينقطع هذا الإحتمال ويلزمه كل المال بقضاء القاضي.

فإن قيل: إذا كان لا يلزم المقر كل الدين في نصيبه بمجرد إقراره فبأي طريق يقضي القاضي عليه بكل الدين.

قلنا: طريقه أن الدين يقضي ممن أيسر المالين قضاء ألا ترى أنه إذا كان في التركة عين ودين، فالدين يقضى والدين دون العين، وألا ترى أن بعض التركة إذا كان حاضراً والبعض غائباً، فالدين يقضى من الحاضر إذا ثبت هذا فنقول إذا لم يجد رب الدين بينة، ولم يصدقه باقي الورثة فأيسر المالين قضاء يصيب المقر، فيقضي عليه بذلك حتى يوفى من نصيبه، وإن كان الدين متعلقاً بكل التركة.

وفي كتاب «الأقضية» : رجل ادعى على رجل أن له على فلان ألف درهم، وأن فلاناً أمر هذا أن يدفعها إليه من هذا الألف التي عنده له، وجحد المودع الأمر بذلك، فأقام المدعي بينة على الألف الوديعة، والأمر بالدفع، وقضى القاضي عليه، فإنه يكون ذلك قضاءً على الغائب، وينتصب الحاضر خصماً عن الغائب.

رب الوديعة إذا أقام البينة عل أن الورثة باعوا عيناً من التركة، والتركة مستغرقة بالدين، وقالت الورثة: إن أبانا باع هذا العبد في حياته، وأخذ الثمن، وأقاموا جميعاً البينة، فبينة رب الدار أولى؛ لأن رب الدين ببينته يثبت الضمان عليهم، وهم ينفون.

في «فتاوى الفضلي» رحمه الله تعالى: إذا ادعى بعض الورثة على مورثه ديناً، وصدقه بعض الورثة، وكذبه البعض قالوا: يستوفى الدين من نصيب من صدقة بعد أن يطرح نصيب المدعي وقد ذكرنا....، من مسائل هذا الفصل في كتاب «أدب القاضي»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015