عند محمد.
قال هشام: قلت لمحمد: أرأيت هؤلاء الذين لا يحصون إذا ادعى بعضهم هذا النهر، وأقام البينة أنه لقرى معلومة لا يحصى أهلها انقضى بها لتلك القرية بدعوى هذا وإقامته البينة والمدعى عليهم لا يحصون، وقد حضر بعضهم وفيهم الصغير والكبير؛ قال محمد رحمه الله: إذا كان هذا على ما يصف قائماً هذا النهر بمنزلة طريق من طرق المسلمين نافذ، فإن أقام قوم البينة أنه لهم دون غيرهم استحقوه وخرج من أن يكون بهذا لجماعة المسلمين، وصار لأهل تلك القرى خاصة، واكتفى القاضي بواحد من المدعين، وبواحد من المدعى عليهم، وإن كان النهر خاصاً لقوم معروفين يحصون؛ لم يقضِ عليهم بحضور واحد منهم وقضى على من حضر منهم.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : وإذا كان الدار التي يدعي فيها المسيل، أو الطريق بين ورثة، فأقر بعضهم بالمسيل والطريق وجحد ذلك الباقون لم يكن للمقر له أن يمر فيه والآن يسيل فيه الماء؛ لأن الإقرار بالطريق والمسيل من بعض الشركاء إقرار باطل؛ لأن الطريق والمسيل إنما يكون في مكان بعينه، وإقرار أحد الشريكين بمكان بعينه من الموضع المشترك إقرار باطل؛ لأن الساكت يتضرر بهذا الإقرار زيادة ضرر؛ لأنه يحتاج إلى قسمتين: قسمة مع المقر له حتى يتميز نصيبه، وقسمة أخرى مع المقر في هذا المكان المقر به وعند ذلك عسى يتفرق أنصباؤه، وفي ذلك ضرر له ويصرف بعض الشركاء في الموضع المشترك على وجه يوجب زيادة ضرر بالباقين باطل، وإذا بطل هذا الإقرار صار وجوده وعدمه بمنزلة ولو عدم كان الجواب كما قلنا، فهاهنا كذلك.
وهذا بخلاف ما لو أقر بعض الشركاء بجزء شائع من الدار المشترك بينه وبين غيره حيث يصح الإقرار لأنه ليس في هذا الإقرار زيادة ضرر على ما في يد الشركاء؛ لأن الساكت لا يحتاج إلى قسمتين؛ إنما يحتاج إلى قسمة واحدة بينه وبين المقر ثم يدخل المقر له في نصيب المقر، وبخلاف ما لو أقر بعض الشركاء بنصيبه من الشراب أو ببعض نصيبه حيث يصح هذا الإقرار، وإن أقر بإجراء الماء في مكان بعينه وهو النهر كما في الطريق؛ لأنه ليس في هذا الإقرار زيادة ضرر بالساكت؛ لأنه لا يحتاج إلى قسمتين لأن قسمة الشرب إنما تكون من حيث المهايأة كما قبل الإقرار، ويصير لومة المقر له إن أقر له بجميع نصيبه، وإذا أقر له ببعض نصيبه يدخل المقر له في لومة المقر، فلا يلحق الساكت زيادة ضرر بهذا الإقرار أما هاهنا بخلافه.
فإن قسم الورثة هذه الدار بعد هذا الإقرار من بعض الشركاء فوقع الطريق والمسيل في نصيب المقر يؤمر بتسليمه إلى المقر له، وينقلب ذلك الإقرار صحيحاً لزوال المانع من صحته، وهو ضرر الساكت، وإن وقع الطريق والمسيل في نصيب المقر، فالمقر يضرب بنصيبه إلا قدر الطريق والمسيل؛ هكذا ذكر في «الكتاب» ولم يحك فيه خلافاً.
قالوا: ويجب أن يكون المذكور في الكتاب قول أبي حنيفة وأبي يوسف.
وعلى قول محمد: يضرب المقر له بنصف قيمة الطريق والمسيل، والمقر يضرب