الشهادة بالوصية الثانية، فإن القاضي يضمنهما نصف الثلث للموصى له الأول؛ لأنهما صارا مقرين أن شهادتهما على الرجوع كانت باطلة وأن الميت أوصى للأول كما أوصى للثاني، وأن الثلث بينهما نصفان لولا شهادتنا بالرجوع عن الوصية الأولى، فصارا مقرين له بإتلاف نصف الثلث على الموصى له الأول بغير عوض، فإن رجعا بعد ذلك عن الشهادة على الوصية ضمنا نصف الثلث أيضاً للموصى له الأول؛ لأنهما صارا مقرين أن الشهادة على الوصية الثانية كانت باطلة، وأن الثلث كله كان للموصى له الأول لولا شهادتنا بالرجوع عن الوصية الأولى، فصارا مقرين له بإتلاف كل الثلث عليه إلا أنهما قد ضمنا نصف الثلث مرة، فيضمنان النصف الباقي، ولم يذكر ههنا أنهما متى رجعا عن الشهادة على الرجوع أن القاضي يسألهما أترجعان عن الوصية الثانية، بخلاف الفصل الأول.

والفرق بينهما: أن في الفصل الأول القاضي إنما يسألهما لمعان، من جملة ذلك تعيين المستحق؛ لأنهما إن رجعا عن الشهادة على الرجوع بعد الرجوع عن الشهادة على الوصية الثانية قبل قضاء القاضي بالثلث للوارث، كان الثلث للموصى له الأول، وإن ثبتا على الشهادة على الرجوع كان الثلث للوارث، يسألهما القاضي لتعيين المستحق، أما ههنا بعدما رجعا عن شهادتهما على الرجوع المستحق معلوم، وهو الموصى له الأول على كل حال، وإنما الاشتباه في مقدار ما يجب له من ثلث أو نصف ثلث، فيقضي القاضي بالقدر المتيقن، ولا يسألهما عن الرجوع عن الشهادة الثانية لهذا.

رجل مات وترك عبدين قيمة كل واحد منهما ألف درهم، وثلث ماله ألف درهم بأن ترك ألفاً أخرى، فشهد شاهدان أن الميت أوصى بهذا العبد لهذا الرجل الأكبر، ثم شهد آخران أن الميت أوصى بهذا العبد الآخر لهذا الأصغر، قضى القاضي لكل واحد من الموصى لهما بنصف عبده؛ لأن الوصيتين قد اجتمعتا والثلث قاصر عنهما، وليست إحدى الوصيتين بأولى من الأخرى، فيجب قسمة الثلث بينهما نصفين، وذلك بأن يعطي كل واحد من الموصى لهما نصف وصيته، فإن رجع الشهود جميعاً عن شهادتهم لا يضمنون للوارث شيئاً؛ لأن من حجة كل فريق أن يقول للوارث: نصف العبد الذي شهدنا به بقي على ملكك والنصف الآخر أخرجناه عن ملكك، فقد أخرجنا بعوض؛ لأنه لولا شهادتنا لكان العبد الآخر للموصى له الآخر وكل فريق لا يقدر على إخراج النصف الذي أخرجه عن ملك الوارث إلا بإدخال نصف العبد الآخر في ملك الوارث حتى لا تزيد الوصية على الثلث، فصار النصف المردود على الوارث بشهادة كل فريق عوضاً عن النصف الفائت بشهادتهم.

وقد ذكرنا أن الإتلاف بعوض لا يوجب الضمان ويضمن كل فريق من الشهود للموصى له الآخر نصف عبده؛ لأنه أتلف النصف على الآخر بشهادتهم، فإنه لولا شهادتهم لسلم العبد كله للموصى له الآخر، ولو كان ثلث ماله ألفان بأن كان له سوى العبد أربعة آلاف درهم حتى خرج العبدان من الثلث سلم لكل واحد من الموصى لهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015