الشهادة على الرجوع عن الوصية الأولى؟ وهذا سؤال حسبة وليس بواجب، وهذا لأنهما لما رجعا عن بعض الشهادة ثبت احتمال الرجوع عن الباقي، فصار الموضع موضع الاحتياط، وفي هذا السؤال فائدة؛ لأنهما لو لم يرجعا عن الشهادة على الرجوع عن الوصية الأولى يجب القضاء بالثلث للوارث عند رجوعهما عن الشهادة بالوصية الثانية، وإذا قضى القاضي بذلك تبقى الشهادة على الرجوع مفردة، فإن رجعوا بعد ذلك عنها ضمنوا الثلث مرة أخرى للموصى له الأول لما تبين، فتكرر الضمان على الشهود.
ولو رجعا عن الشهادة على الرجوع قبل قضاء القاضي بالثلث للوارث ضمنوا الثلث للموصى له، ولا يضمنان للوارث لما تبقى، فقد أفاد السؤال بيان المستحق وتخفيف الأمر على الشهود، وتحقيق النظر، فلهذا سألهما القاضي.
فإن قالا: نحن ثابتان على شهادتنا بالرجوع يضمنان الثلث للوارث؛ لإقرارهما أن الشهادة بالوصية الثانية كانت باطلة، وأن الثلث كان للوارث، وأنهما أتلفاه على الوارث بشهادتهما بغير عوض.
وإن قالا: نحن راجعان عن تلك الشهادة أيضاً، فإن كان ذلك بعد قضاء القاضي عليهما بالثلث للوارث ضمنا للموصى له ثلثاً آخر؛ لأنهما لما رجعا عن شهادتهما على الرجوع بعدما قضى القاضي عليهما بالثلث للوارث، فقد أقرا بشيئين يضمنان الثلث على أنفسهما للموصى له الأول؛ لإتلافهما ذلك عليه، وبثبوت ولاية استرداد ما دفعا إلى الوارث لأنفسهما؛ لأنهما يقولان: إتلاف الثلث حصل على الموصى له الأول لا على الوارث، فيصدقان فيما يقران على أنفسهما ولا يصدقان فيما يقران على الوارث، ولو كان ذلك قبل قضاء القاضي بالثلث للوارث ضمنا ثلثاً واحداً للموصى له الأول، ولا يضمنان للوارث شيئاً، وكان ينبغي أن يضمنا للوارث ثلثاً أيضاً، لأن الرجوع عن الشهادة بالوصية الثانية قبل الرجوع عن الشهادة بالرجوع عن الوصية الأولى إقرار بإتلاف الثلث على الوارث، ويضمنان الثلث للوارث والرجوع عن الشهادة على الرجوع بعد ذلك إقرار للموصى له الأول بالثلث رجوع عما أقر للوارث، والإقرار صحيح، أما الرجوع عن الإقرار غير صحيح.
والجواب أن يقول: الإقرار بالثلث للوارث غير مفصح به، وإنما يثبت ذلك في ضمن الرجوع عن الشهادة على الوصية الثانية، والرجوع عن الشهادة غير معتبر قبل اتصال القضاء به، فما ثبت في ضمنه من الإقرار أيضاً لا يكون معتبراً قبل اتصال، فإذا رجعا عن ذلك قبل اتصال القضاء به يعمل رجوعهما، فلو أن القاضي حين سألهما لم يثبتا بل سكتا، فالقاضي لا يجبرهما، لأن السؤال إنما كان نظراً للشهود وتخفيفاً عليهم، وهذا لا يقتضي الجبر، فإذا سكتوا ولم يثبتوا قضى القاضي بالضمان للوارث؛ لأنهم شهدوا بالرجوع عن الوصية الأولى، ولم يوجد الرجوع عن تلك الشهادة، والظاهر هو الثبات عليهما، فيكون الجواب فيه الجواب كالجواب فيما إذا صرحوا أنهم ثابتون على الشهادة بالرجوع عن الوصية الأولى، ولو أنهما رجعا على الشهادة على الرجوع ولم يرجعا عن