الضمان على الفروع.
وقال محمد: المشهود عليه بالخيار، إن شاء ضمن الأصول وإن شاء ضمن الفروع، وإن رجع الأصول وحدهم فلا ضمان عليهم عندهما خلافاً لمحمد، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله: أنه إذا رجع الأصول فهم ضامنون وإن (ضمن) الفروع وحدهم فعليهم الضمان بلا خلاف.
فوجه قول محمد رحمه الله: أنه وجد من كل فريق يعني الأصول والفروع في حق المشهود عليه سبب ضمان على حده على سبيل المباشرة فكان له أن يضمن أيهما شاء كما في الغاصب مع غاصب الغاصب.
بيانه: أن سبب التلف نقل شهادة الأصول إلى مجلس القاضي، ونقل شهادة الأصول ثبت بهما، فإنه لولا إشهاد الأصول ما تمكن الفرع من النقل، ولولا نقل الفرع لم يثبت النقل، وقولنا: على سبيل المباشرة؛ لأن الفرع في نقل شهادة الأصول مباشر حقيقة، وهذا ظاهر، والأصل مباشر من حيث الحكم؛ لأن أداء الفروع منقول إلى الأصول؛ لأن الفروع مضطرون من جهة الأصول إلى الأداء بعد الإشهاد، فإنهم لو امتنعوا من الأداء أتموا، ألا ترى أن قضاء القاضي اعتبر منقولاً إلى الشاهد؛ لأنه مضطر إلى القضاء من جهة، فإنه لو امتنع عن القضاء يأثم، كذا ههنا، فإن ضمن الفروع، فالفروع لا يرجعون على الأصول كما في باب الغصب لو ضمن المالك الغاصب الثاني لا يرجع به على الغاصب الأول، وإن ضمن الأصول فالأصول لا يرجعون على الفروع، بخلاف ما لو ضمن المالك الغاصب حيث يرجع به على الغاصب، وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا: الأصول مسببون للتلف من وجه، والفروع مباشرون للتلف من كل وجه.
بيانه: أن سبب التلف نقل شهادة الأصول، والأصول مسببون لهذا النقل؛ لأن بعدما وجد الإشهاد من الأصول لا يحصل نقل شهادتهم إلا بعد وجود فعل فاعل مختار وهو أداء الفروع بشهادتهم، وهذا هو حد السبب، فأما الفروع مباشرون لهذا النقل من كل وجه، فإن نفس أداء الفروع شهادة الأصول تصير شهادة الأصول منقولة إلى مجلس القاضي من غير أن يحتاج فيه إلى فعل فاعل مختار، وهذا هو حد المباشرة وقد عرف من أصلنا أن المباشر مع السبب إذا اجتمعا وهما متعديان أن الضمان على المباشر، وقوله بأن أداء الفروع منقول إلى الأصل إلى أخر ما ذكر.
قلنا: الاضطرار في حق الفروع ثابت من وجه دون وجه؛ لأن سبب هذا الاضطرار اعتباري وهو الإثم وبالعقباوي ثبت الاضطرار من وجه؛ لأن العقباوي ليس بقائم للحال، ألا ترى أن قضاء القاضي بسبب وعيد الأخوة اعتبر منقولاً إلى الشاهد من وجه دون وجه، حتى كان لولي القتيل تضمين الشاهد ولا تجب الكفارة على الشاهد ولا يصير الشاهد محروماً عن الميراث كذا هاهنا، وإذا ثبت أن الفروع صار منقولاً إلى الأصول كان الأصل مسبباً، والفروع مباشر من كل وجه، وإيجاب الضمان على المباشر من كل