وإذا أقر رجل لإنسان بمال ومات المقر، فقال ورثته بعد موته: إن أبانا قد أقر بما أقر كاذباً، فلم يصح إقراره، وأنت أيها المقر له عالم بذلك، وأرادوا تحليفه على ذلك لم يكن لهم أن يحلفوه؛ لأن وقت الإقرار حق الورثة لم يكن متعلقاً بمال المقر، فصح الإقرار وحيث تعلق حقهم لم يتعلق بما صار حقاً للمقر له، فلا يكون لهم ولاية تحليفه.
وإذا حبست المرأة زوجها بدين المهر أو بدين آخر، فقال الزوج للقاضي: احبسها معي في السجن، فإن لي موضعاً في المحبس، فتكون معي، فالقاضي لا يحبسها، ولكنها تصير إلى منزل الزوج، ذكره الخصاف في مطالبة المهر، وقيل: ينبغي للقاضي أن يحبسها؛ لأنها إذا حبست زوجها فلم تحبس هي تذهب حيث تريد، وقيل: القاضي يقول لها: إذا أردت حبس الزوج لو حبست زوجك بحقك (و) لحبستك معه وإلا لا أحبس الزوج، وعلى التقديرين جميعاً يقع الأمن عن ذهابها إلى ما تريد.
وإذا قال المديون: أبيع عبدي هذا وأقضي حقه، ذكر صاحب «شرح مختصر العصام» : في أول مكاتبه أن القاضي لا يحبسه، بل يؤجله يومين أو ثلاثة.
ادعى على آخر مالاً وأنكر المدعى عليه ذلك ثم ادعى عليه ذلك في مجلس آخر أنك استمهلت مني هذا المال، وصرت مقراً بالمال، والمدعى عليه ينكر المال والاستمهال جميعاً، فالقاضي يحلفه على المال أو على الاستمهال، وقد قيل: يحلفه على المال؛ لأنه بالاستمهال يصير مقراً، والإقرار حجة المدعي، والمدعى عليه لا يحلف على حجر المدعي، فإنه لا يحلف بالله ما للمدعي بينة، وألا ترى أنه لو ادعى عليه الاستام أو الإقرار أو ادعى عليه حقاً بسبب الخط، وأنكر المدعى عليه أن يكون هذا خطه، فإنه لا يحلف على ذلك، والمعنى ما ذكرنا.
وفي «نوادر ابن رستم» عن محمد رحمه الله: رجل قال لآخر: لي عليك ألف درهم، فقال ذلك الرجل: إن حلفت أنها لك علي أديتها، فحلف الرجل فأداها إليه، إن أداها على الشرط الذي شرط كان له أن يرجع فيما دفع إليه.
في «واقعات الناطفي» في كتاب الدعوى: ولو أن السلطان أو الخليفة قلد رجلاً القضاء ورد القاضي ذلك هل له أن يقبل بعد ذلك، لا رواية لهذه المسألة في الكتب. وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل: إن قلده مشافهة مواجهة ورد لا يمكنه قبول ذلك الأمر وذلك التقليد بعد ذلك، ولو قلده بطريق المعاينة إن بعث إليه فرده، ثم قبل: كان له ذلك استدلالاً بما ذكر في كتاب النكاح أن امرأة لو كتبت إلى رجل أني زوجت نفسي منك، فلم يقبل الزوج في ذلك المجلس، وقبل في مجلس آخر كان له ذلك؛ لأن الخطاب بالكتاب، والكتاب باق معه، فيكون الخطاب باقياً، فكان له أن يقبل، فكذا في حق المنشور للقاضي، ولو كان بطريق المعاينة ولكن بالرسالة لا بالكتابة فكذلك أيضاً: استدلالاً بالموكَّل والموصى إليه إذا ردّا في غير وجه الموكل والموصي كان لهما أن يقبلا بعد ذلك ما لم يعلم الموكل برده والموصي بالرد؛ لأن الرد من غير علم الموكل والموصي لم يصح، وإذا لم يصح الرد كان حكم التوكيل والإيصاء باقياً، فيعمل قبولهما،