القاضي له على المدعى عليه ببينة أقامها، ثم غاب المقضي عليه أو مات، وله ورثة وله مال في المصر في يد أقوام وهم مقرون به للمقضي عليه، قال: لا أدفع إلى المدعي من ذلك شيئاً، حتى يحضر هو إن كان غائباً أو ورثته إن كان ميتاً؛ لأن القاضي نصب ناظراً، وليس من النظر في حق الغائب دفع ماله إلى المقضي له، فلعل أنه قضى هذا الدين أو وارثه فوقفنا الأمر لهذا، وإلى هذا أشار محمد رحمه الله في «الكتاب» ، حيث قال: لأني لا أدري لعل الذي قضيت عليه قضاه إياه أو وارثه.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد أيضاً: وإذا غاب المدعى عليه أو مات بعد إقامة البينة عليه قبل قضاء القاضي عليه وقد زكيت البينة في السر والعلانية، فالقاضي لا يقضي بتلك البينة حتى يحضر الغائب أو نائبه أو يحضر وارث الميت، فإذا حضر واحد من هؤلاء، فالقاضي يقضي عليه بتلك البينة، ولا يحتاج إلى إعادة البينة للقضاء.

ولو كان المدعى عليه أقر بما ادعاه المدعي ثم غاب، فالقاضي يقضي عليه بإقراره في حال غيبته، بعد هذا ينظر إن كان المقر له عيناً، فالقاضي يأمر من في يديه بالتسليم إذا كان الذي في يديه مقراً أنه ملك المقر، وفي الدين إذا ظفر بجنس حقه يأمره بالأخذ، ولا يبيع في ذلك العروض والعقار، وهذا قول أبي حنيفة، وهو قول محمد رحمه الله، قال محمد رحمه الله: وقال أبو يوسف: لا يقضي القاضي حتى يحضر الغائب في البينة والإقرار جميعاً، ذكر قول أبي يوسف رحمه الله هكذا، والمحفوظ عن قول أبي يوسف رحمه الله المذكور عنه في عامة الكتب غير هذا، فالمذكور عنه في عامة الكتب أنه كان يقول أولاً: إن القاضي (114ب4) لا يقضي في فصل البينة حتى يحضر الغائب، وفي فصل الإقرار يقضي، ثم رجع حين ابتلي بالقضاء وقال: يقضي فيها جميعاً استحسن ذلك حفظاً لأموال الناس وصيانة لحقوقهم.

وجه ما ذكر من قول أبي يوسف رحمه الله في «نوادر ابن سماعة» : أن القضاء احتمل الولاية، ولا ولاية للقاضي على الغائب فلا ينفذ قضاؤه عليه، ألا ترى أنه لو قضى عليه في المصر الذي هو فيه، وإنه ليس بقاضي ذلك المصر لا ينفذ قضاؤه عليه لعدم الولاية، كذا هنا.

وجه ما ذكر من قول أبي يوسف في عامة الكتب: أن القاضي يقضي على الغائب في البينة والإقرار جميعاً إن حضره المدعى عليه، إنما كان شرطاً ليسمع القاضي كلام الخصمين، فيقضي عن علم أو ليعلم إنكاره الذي هو شرط سماع البينة وقد وجد، فلا معنى لتوقيف القضاء.

يوضحه: أن كل مدعى عليه لا يعجز من أن يخفي نفسه متى توجه عليه الحكم، لو لم يجز القضاء حال غيبته تضيع حقوق الناس.

ولأبي حنيفة رضي الله عنه في الفرق بين الإقرار والبينة: أن للمدعى عليه حق الطعن في الشهود والقضاء عليه حال غيبته لا يبطل عليه حقاً، فلهذا افترقا.

قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : أمة في يدي رجل يقال له عبد الله، فقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015