رضي الله عنه، وهو قول أبي يوسف أيضاً فأبو حنيفة رضي الله عنه مر على أصله، فإن من أصله أن الحاضر لا ينتصب خصماً عن الغائب في مثل هذا، فلا يكون القضاء على الحاضر قضاء على الغائب، ألا ترى أن البائع لو كان واحداً، والمشتري اثنان حاضر وغائب، فالحاضر لا ينتصب خصماً عن الغائب.
وأبو يوسف رحمه الله فرق بينما إذا كان المشتري واحداً، والبائع اثنان، وبينما إذا كان البائع واحداً والمشتري اثنان، فقال فيما إذا كان المشتري واحداً والبائع اثنان: إن القضاء لا يتعدى إلى الغائب، والفرق أن البائع إذا كان اثنين فحق الغائب غير متصل بحق الحاضر؛ لأن الصفقة متفرقة، فلا ينتصب الحاضر خصماً عن ذلك، فأما إذا كان المشتري اثنين فحق الحاضر متصل بحق الغائب، ألا ترى أنه لو خاطب اثنين بالبيع، فقبل أحدهما لم يصح، فجاز أن ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب.
هذا إذا كان الحاضر مقراً بنصيب الغائب، وإن كان جاحداً نصيب الغائب، فالقاضي يقضي بالدار كلها للمدعي، أما في نصيب الحاضر فلا يشكل، وأما في نصيب الغائب، فلأن ذا اليد انتصب خصماً في نصيب الغائب في إثبات الملك له في نصيبه؛ لأنه لا يتوصل إلى إثبات ملكه على الحاضر في نصيب الغائب إلا بإثبات الملك للغائب ثم بإثبات الشراء عليه.
وإذا ادعى هبة أو صدقة أو رهناً من رجلين، وأحد الرجلين حاضر، والدار في يد الحاضر، فأقام بينة على الهبة والقبض، أو على الصدقة والقبض، فإن على قول أبي حنيفة رضي الله عنه: لا تقبل هذه البينة في فصل الرهن؛ لأن عنده القضاء يقتصر على نصيب الحاضر، ورهن المشاع باطل. فأما في الهبة، فإن كان مما لا يحتمل القسمة قبلت بينته في حق الحاضر دون الغائب؛ لأن القضاء بنصيب الحاضر ههنا ممكن؛ لأن الشيوع فيه لا يمنع جواز الهبة.
وأما على قول أبي يوسف رحمه الله ففي فصل الرهن: القاضي لا يقبل هذه البينة أصلاً، وفي الهبة والصدقة إن كانت الهبة والصدقة مما لا يقسم يقضي على الحاضر والغائب جميعاً، حتى إذا حضر الغائب لا يكلف المدعي إعادة البينة عليه، ويقضي عليه بتلك البينة، وإن كانت الهبة والصدقة مما يقسم، فالقاضي يقضي بهبة الملك، ولكن ينفذ في النصف في الحال، وفي النصف الآخر يتوقف حتى يحضر الغائب، فينفذ عليه.
والفرق له بين الرهن والهبة: أن إثبات الملك في الشائع بالهبة ممكن في الجملة، ألا ترى أنه إذا وهب داره من رجلين، وسلم إليهما صح على قولهما، وثبت لكل واحد منهما الملك في النصف بالهبة شائعاً، وإذا أجاز هذا في الجملة جاز القبول في القضاء بالهبة بجميعها ولكنه لا ينفذ على الغائب حتى يحضر فإذا حضر نفذ عليه، فأما الرهن فلا يجوز بيع الشيوع بحال ما فلا يجوز القول بنفاذ القضاء وثبوته في البعض دون البعض، فلهذا يبطل في الكل.
قال ابن سماعة عن محمد رحمهما الله: رجل ادعى على رجل مالاً، فقضى