ومن جنس هذا: مسألة الرهن، وصورتها: رجل (ادعى) أني وفلان الغائب ارتهنا من هذا الرجل الدار التي في يديه بدين لهما عليه، ثم إنه استولى عليها وأقام على ذلك بينة، فعلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه: لا تقبل هذه البينة؛ لأن عنده إنما تقبل البينة في نصيب الحاضر لا غير، وذلك متعذر ههنا؛ لأنه يصير رهن المشاع، ورهن المشاع لا يجوز، ما يحتمل القسمة وما لا يحتمل القسمة فيه على السواء.
ومن هذا الجنس مسألة الوصية: رجل مات وأوصى بوصايا بشيء لأناس مختلفين في كتاب وصيته، فحضر واحد منهم، وقدم بعض الورثة، وأقام البينة على الوصية، فعلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه يقضى بنصيب الحاضر دون الغائب، وعلى قول أبي يوسف: يقضى بجميع الوصية، حتى إذا حضر الغائب لا يكلف إعادة البينة ثانياً.t
ذكر في كتاب «الأقضية» عن أبي يوسف: لو أن رجلاً ادعى على رجلين مالاً في صك، أحدهما حاضر فجحد والآخر غائب، وأقام على ذلك بينة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: أقضي بالمال على الشاهد والغائب جميعاً، قال الشيخ أبو بكر الرازي الكبير رحمه الله: هذا الجواب على أصل أبي حنيفة لا يستقيم؛ لأن الحاضر لا ينتصب خصماً عن الغائب عنده في جنس هذه المسائل.
قال المصنف: ورأيت في «المنتقى» عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: أقضي على الحاضر بنصف المال، وقال أبو يوسف: أقضي على الحاضر والغائب بجميع المال، واعلم بأن محمداً رحمه الله ذكر هذه المسائل في «المبسوط» وأجاب في الكل على نمط واحد أن عند أبي حنيفة رضي الله عنه القضاء على الحاضر وللحاضر يقتصر عليه، وصاحب «الأقضية» ذكر في بعض هذه المسائل أن على قول أبي حنيفة: القضاء على الحاضر، وذكر في بعضها أنه يتعدى القضاء إلى الغائب وتارة ذكر قول أبي يوسف مثل قول أبي حنيفة، وتارة ذكر قول محمد مع أبي يوسف بخلاف قول أبي حنيفة فكان عن أبي حنيفة فيه روايتان.
وأما الفرق فلا وجه له، قال: وكذلك عن أبي يوسف روايتان، وأما الفرق فلا وجه له، قال: وكذلك لو كان كل واحد منهما كفيلاً عن صاحبه، أو كان الحاضر كفيلاً عن الغائب، أو كان الأصل على الحاضر والغائب كفيل عنه، فهذا كله سواء وينتصب الحاضر خصماً عن الغائب، هكذا ذكر في «الأقضية» .
قال الشيخ أبو بكر الرازي رحمه الله: إن كان كل واحد منهما كفيلاً عن صاحبه بأمره، فالجواب كما ذكر في «الكتاب» ، وينتصب الحاضر عن الغائب؛ لأن المال الذي (114أ4) يدعيه على الكفيل عين ما يثبت على المكفول عنه؛ لأنه يثبت حق الرجوع بذلك، فيكون خصماً عن الغائب في إثبات الدين عليه، ألا ترى أن من ادعى عبداً في يد رجل أنه اشتراه من فلان الغائب، فإن الحاضر خصم عنه؛ لأن ما يدعيه على الغائب عين ما يدعيه على الحاضر، فكذلك ههنا فتقبل بينته على الحاضر، ويقضى عليه بالألف،