بيانه إنه لا يمكنه الاحتراز عن وقوع عمله في يد الحافظ لأنه لا بد له من الحفظ حالة العمل، ويد الحافظ يد صاحب المال، وإذا لم يمكنه الاحتراز عن وقوع العمل في يد الحفظ كان مضطراً في ذلك، والرضا لا يثبت مع الاضطرار كصاحب العلو إذا بنى السفل، وليس كما لو عمل في بيت صاحب الثوب (15أ4) وذلك لأن المبيع هناك وقع في يد المشتري برضا البائع، وذلك لأن الثوب في يد صاحب الثوب حكماً لقيام يده على الدار، ويمكن للعامل أن يعمل على وجه لا يقع عمله في هذه اليد بأن يعمل في بيت نفسه، وإذا أمكنه الاحتراز عن إيقاع المبيع في هذه اليد فإن لم يحترز صار راضياً بذلك فيبطل حقه في الحبس، فأما ها هنا لا يمكنه الاحتراز على ما بينا فيكون مضطراً في إيقاع العمل في يد الحافظ، والاضطرار ينافي الرضا.

والاختلاف في هذه المسألة نظير الاختلاف في الوكيل إذا نقد الثمن من ماله وقبض المشترى كان له أن يحبس عن الموكل حتى يستوفي الثمن، وبنفس القبض وقع المبيع في يد الموكل، لأن يده يد الموكل قبل أحد أن الحبس ولم يبطل حقه في الحبس عندنا، لأنه مضطر في وقوع المشتري في هذا اليد لأنه لا يمكنه القبض على وجه لا يقع في يده فلم يبطله حقه في الحبس عندهم.

وبطل عند زفر كذلك هاهنا وليس كالحمال والمكاري، لأن المبيع هاهنا ليس بقائم لا من حيث الحقيقة ولا من حيث الاعتبار، من حيث الحقيقة فلا إشكال لأن المبيع حركات انقضت ومضت، ولا من حيث الاعتبار لأنه لم يبق لعمله أثر في العين حتى يقيم الأثر مقام العمل، وحق الحبس إنما يثبت في المبيع فلا بد من قيامه أما ها هنا بخلافه، وأما القصار إن كان يقصر بالنساسج أو كان ببياض البيض كان له حق الحبس لأنه اتصل بالثوب مال قائم كما في الصبغ.

فأما إذا كان يبيض الثوب لا غير اختلف المشايخ فيه منهم من قال: له حق الحبس لأن البياض الذي حدث في الثوب أثر عمله فيقوم مقام المبيع فيكون له حق الحبس كما في الخياطة، ومنهم من يقول: لا يكون له حق الحبس لأن البياض الذي حدث في الثوب غير مضاف إلى عمله، لأنه غير حادث بعمله بل البياض كان حاصلاً لكن كان استترا بالوزن فزال ذلك بعمله وظهر البياض الذي كان في الأصل، وإذ ثبت له حق الحبس بالأجرة عندنا لم يصر بالحبس متعدياً.

ففي العين عند أبي حنيفة أمانة في يده كما كان، فإذا هلك بغير صنعة لا يضمن شيئاً إلا أنه يسقط الأجر لأنه ملك العمل قبل التسليم، وهلاك المبيع قبل التسليم يوجب سقوط البدل كالمبيع العين إذا هلك في يد البائع.

وأما عند أبي يوسف ومحمد فالعين كان مضموناً على القصار والصباغ بسبب القصر إذا حصل الهلاك بأمر يمكن التحرز عنه فيبقى بعد الحبس مضموناً كما كان، فإذا هلك فلصاحبه الخيار إن شاء ضمنه غير معمول لأنه لم يصر مسلماً العمل فلا يستحق الأجر، وإن شاء ضمنه معمولاً لأن العين مضمون عندهما بالقيمة والعمل بيع للعين والبيع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015