نبدأ به أيضاً، فنقول: خيار الرؤية يثبت في القسمة التي لا يوجبها الحكم؛ لأن إثباته مفيد، وهل يثبت في القسمة التي يوجبها الحكم؟ ينظر إن وقعت هذه القسمة في ذوات الأمثال من المكيل أو الموزون أو العدديات المتقاربة من جنس واحد لا يثبت؛ لأن إثباته غير مفيد؛ لأنا متى أثبتناه ونقضنا القسمة به يجب إعادتها كما وقعت أول مرة، فلا يفيد الاشتغال به بخلاف القسمة التي لا يوجبها الحكم، لأنا لو نقضناها بخيار الرؤية لا يجب إعادة مثلها ثانياً، فكان الإثبات مفيداً.

وإن وقعت هذه القسمة في غير ذوات الأمثال كالغنم والبقر والإبل والثياب الهروية أو المروية ففيه روايتان، ذكر في رواية أبي سليمان أنه يثبت، وذكر في رواية أبي حفص أنه لا يثبت، والصحيح ما ذكر في رواية أبي سليمان.

ووجه ذلك: أن إثبات الخيار في هذه القسمة مفيد؛ لأن المعادلة في غير المكيل والموزون تعتبر من حيث القيمة، والقيمة تعرف بالحزر والظن فيتوهم جريان الغلط فيها فمتى نقضنا هذه القسمة بخيار الرؤية ربما تعاد على وجه يكون أعدل من الأول، فكان النقض مفيداً بخلاف المكيل والموزون؛ لأن المعادلة فيها تعتبر من حيث الإجراء لا من حيث القيمة، فمتى نقضناها احتجنا إلى إعادة مثلها، ثم ذكر محمد رحمه الله في «الكتاب» : الحنطة والشعير وكل ما يكال وكل ما يوزن، وأثبت في قسمتها خيار الرؤية.

قال مشايخنا رحمهم الله: أراد بما قال الحنطة والشعير جميعاً والمكيل والموزون جميعاً، لا أحدهما على الانفراد حتى يكون المقسوم أجناساً، فتكون قسماً لا يوجبها الحكم بتراضيهما، فيثبت فيها خيار الرؤية.

وإن أراد بذلك الحنطة على الانفراد أو الشعير على الانفراد، فهو محمول على ما إذا كان صفتهما مختلفة، بأن كان البعض علكة والبعض رخواً، والبعض حمراء والبعض بيضاء، واقتسما كذلك حتى تكون القسمة واقعة على وجه لا يوجبها الحكم.

أو كانت صفتها واحدة، إلا أنه أصاب أحدهما من أعلى الصبرة، وأصاب الآخر من أسفله، وهكذا الجواب في الذهب التبر والفضة التبر، وكذلك أواني الذهب والفضة والجواهر واللآليء، وكذلك العروض كلها، وكذلك السلاح والسيوف والسروج.

وإذا كانت ألفا درهم بين رجلين، كل ألف في كيس فاقتسما على أن لأحدهما كيساً وللآخر كيساً، وقد رأى أحدهما المال كله، ولم يره الآخر فإنه لا يثبت خيار الرؤية؛ لأنها قسمة وقعت على يوجبها الحكم؛ وهذا لأن الدراهم والدنانير، أثمان من كل وجه، ولا مقصود في عينها إنما المقصود الثمنية وبمعرفة المقدار يصير المقصود معلوماً على وجه لا تفاوت قسم الرضا به قبل الرؤية، بخلاف سائر وجه الأعيان، قال: إلا أن يكون قسم الذي لم ير المال سهماً، فيكون له الخيار إن شاء رد القسمة وإن شاء أمضاها.

واختلف المشايخ في تعليله، قال بعضهم: لأنه إذا كان قسمه سهماً بأن كان زيوفاً كان ذلك عيباً، فيرد بخيار العيب لا بخيار الرؤية، وخيار العيب يثبت في القسمات كلها.

وبعضهم قالوا: لأنه إنما رضي بقسمته على أن يكون في الصفة بمثل ما أخذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015