القاضي بينهما وإليه أشار محمد في «الأصل» في باب ما لا يقسم من العقار وغيره، وإليه مال الشيخ الإمام الأجل شيخ الإسلام، وفي رواية قال: لا يقسم القاضي بينهما، ولكن يتركهما وذاك، إن شاء اقتسما بأنفسهما وإن شاء تركا كذلك، وإليه مال كثير من المشايخ؛ لأن في هذه القسمة ضرر للشركاء بإتلاف المنفعة عليها، وليس للقاضي ولاية الإضرار بالغير، وإن رضي به ذلك الغير. وإن كان نصيب أحد هما في البيت شقصاً قليلاً لا ينتفع به إذا قسم البيت، ونصيب الآخر كثير، فطلب أحد هما القسمة، فهذا على وجهين:

أحدهما: أن يطلب صاحب الكثير القسمة، والحكم فيه أن القاضي يقسمها بينهم، هكذا ذكره محمد في «الأصل» .

وقال في باب ما لا يقسم من العقار: وقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا كان الطريق بين قوم إن اقتسموه لم يكن لبعضهم طريق ولا تنفذ، فأراد بعضهم قسمته، وأبى الآخر، قال: لا أقسمه بينهم. بعض مشايخنا رحمهم الله قالوا: المسألة محمولة على أن الطريق بينهم على السواء، وكان بحيث لو قسم بينهم لا يبقى لواحد منهم طريق ومنفذ، فأما إذا كان الطريق بينهم على التفاضل بحيث لو قسم لا يبقى لصاحب القليل طريق ولا ينفذ ويبقى لصاحب الكثير طريق ومنفذ، فالقاضي يقسم إذا طلب صاحب الكثير القسمة، كما في مسألة البيت إذا طلب صاحب الكثير القسمة.

ومنهم من قال: الطريق لا يقسم في الحالين بخلاف البيت، والفرق على قول هذا القائل: أن في قسمة الطريق تعطيل ملك صاحب القليل في داره، لأنه متى قسم الطريق ولا يمكنه التطرق فيما وقع في نصيبه لا يمكن التطرق به إلى داره، فلا يمكنه الانتفاع بداره بعد ذلك، وتعطيل الملك على الغير لا يجوز.

وأما ليس في قسمة البيت تعطيل ملك صاحب القليل في نصيبه، لأنه يمكنه أن يدخل في بنائه ذلك فيتوسع عليه منزله، ألا ترى أنه لا يجوز التهايؤ في الطريق بين الشريكين لما فيه من تعطيل الملك على كل واحد منهما في نوبة صاحبه، فكذا ألا تجوز قسمة رقبة الطريق إذا تضمنت تعطيل الملك على أحدهما ويجوز التهايؤ في مسألة البيت لأن ملك كل واحد منهما لا يتعطل في نوبة صاحبه، لأن صاحبه ينتفع به من جهته، فلو امتنعت القسمة في مسألة البيت إنما تمتنع لما فيها من قطع الارتفاق بنصيب صاحبه، إلا أن ذلك لا يصلح بأنهما. ألا ترى أنه جاز استرداد العارية وإن كان فيها قطع الارتفاف على المستعير بملك المعير.

الوجه الثاني: إذا طلب صاحب القليل القسمة، وأبى صاحب الكثير ذلك، ذكر الحاكم الشهيد في «المختصر» : أنها تقسم، وإليه ذهب شيخ الإسلام، وذكر الكرخي في «مختصره» : أنها لا تقسم، وهكذا ذكر الفقيه أبو الليث وجعل هذا قول أصحابنا رحمهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015