ثم فرق بين شهادة ابني البائع، وبين شهادة البائعين فقال: إذا شهد البائعان على الشفيع بتسليم الشفعة لا يقبل شهادتهما، وإن كانت الدار في يد المشتري.
وقال: إذا شهد ابنا البائع بذلك والدار في يد المشتري يقبل شهادتهما.
والفرق: أن شهادة البائعين إنما لم تقبل؛ لأنهما كانا خصمين في هذه الدار قبل التسليم إلى المشتري، ومن كان خصماً في شيء لا يقبل شهادته فيه، وإن لم يبق خصماً، أما أبناء ما كانا خصمين في هذه الدار حتى لا تقبل (174ب3) شهادتهما من هذا الوجه، لو لم يقبل، إنما يقبل إذا جرى إلى أيهما مغنماً أو دفعا عنها مغرماً، ولم يوجد هذا إذا شهد ابنا البائع على الشفيع بتسليم الشفعة، فأما إذا شهدا على المشتري بتسليم الدار إلى الشفيع، فإنه لا يقبل شهادتهما، سواء كانت الدار في يد الأب أو في يد المشتري؛ لأنهما يبعدان العهدة عن الأب هذه الشهادة، فإنه إذا ورد الاستحقاق على المشتري فالمشتري يرجع على البائع، وإذا ورد الاستحقاق على الشفيع فالشفيع يرجع على المشتري، يرجع على البائع وبتعيد العهدة منفعة، فكانت هذه الشهادة للأب، وسواء ادعى الأب ذلك أو لم يدع لا يقبل شهادتهما؛ لأن بتعيد العهدة منفعة محضة، وما كان منفعة محضة لا يشترط فيهما الدعوى.
وإذا وكل الرجل رجلاً بشراء دار أو بيعها، فاشترى أو باع وشهد ابنا الموكل على الشفيع بتسليم الشفعة، فإن كان التوكيل بالشراء لا تقبل شهادتهما، سواء كانت الدار في يد البائع، أو في يد الوكيل، أو في يد الموكل؛ لأنهما يشهدان لأبيهما بتقرر الملك، فإن حق الشفيع إذا سقط بتقرير الملك لأبيهما، وإن كان التوكيل بالبيع، فإن كانت الدار في يد الموكل أو في يد الوكيل لا يقبل شهادتهما؛ لأن فيه تقرير العهدة لأبيهما على المشتري؛ لأن حق الشفيع متى سقط تقررت العهدة على المشتري.
ومتى لم يسقط وأخذ الشفيع الدار من يد الموكل أو من يد الوكيل ينفسخ الشراء وتسقط العهدة عن المشتري، وربما يكون المشتري أصيلاً، فكان في هذه الشهادة منفعة للأب، وإن كانت الدار في يد المشتري يقبل شهادتهما؛ لأنه منفعة لأبيهما في هذه الشهادة؛ لأن العهدة متقررة على المشتري سقط حق الشفيع أو لم يسقط.
وإذا شهد شاهدان للبائع والمشتري أنه قد سلم شفعته وشهد آخران للشفيع أن البائع والمشتري سلما إليه قضيت بها للذي في يديه، أشار إلى أن بينة الذي في يديه الدار وهو البائع أو المشتري أولى.
وجعل هذه المسألة نظير مسألة الخارج معنى ذي اليد إذا أقاما البينة على النتاج؛ وهذا لأن الشهود شهدوا بالأمرين ولم يشهدوا بالترتيب، ويتصور وقوعهما من غير ترتيب، فيجعل كأنهما وقعا معاً، ولو وقعا معاً كان تسليم الشفعة سابقاً على تسليم الدار بالشفعة؛ لأن تسليم الشفعة وتسليم الدار تمليك والإسقاط أسرع نفاذاً من التمليك، فكان سابقاً معنى.
ألا ترى أنه لو شهد شاهدان على رجل أنه أعتق عبده وشهد آخران عليه أنه باعه