والصحيح مذهبنا؛ لأن الإبراء إسقاط فيه معنى التمليك، أما إسقاط بدليل أنه صح من غير قبول كالطلاق والعتاق، وأما فيه معنى التمليك بدليل أنه يريد بالرد وأياً ما كان فالجهالة لا تمنع صحته، أما صحة الإسقاط فظاهر، وإما صحة التمليك؛ فلأن هذا تمليك يحتاج فيه إلى التسليم؛ لأن ما وقعت البراءة عن مسلم لمن وقعت البراءة له، والجهالة إذا لم تمنع التسليم والتسليم لا يمنع صحة التمليك.
كما لو اشترى قفيزاً من صبرة ويدخل في هذه البراءة العيب الموجودة والحادث قبل القبض في قول أبي يوسف، وقال محمد: لا يدخل فيه الحادث، وهذا بناء على أنه إذا باع بشرط البراءة عن كل عيب يحدث بعد البيع قبل القبض هل يصح هذا الشرط عند أبي يوسف يصح، وعند محمد لا يصح، فأما إذا كان من مذهب محمد أن البراءة عن العيب الحادث لا تصح لو نص عليه فعند الإطلاق أولى، وعند أبي يوسف لما صحت البراءة عنه حالة التنصيص عليه فكذا حالة الإطلاق.
المحيط البرهانى
وجه قول محمد: أن هذا إبراء قبل وجود السبب (104أ3) لأن سبب الفسخ العيب، فالإبراء قبل وجود العيب يكون إبراء قبل وجود السبب، والإبراء قبل وجود السبب لا يجوز، ولأبي يوسف أن حق المشتري في صفة السلامة مقصوداً، وصفة السلامة تستحق بالعقد لاقتصار مطلق العقد صفة السلامة؛ لأن في الفسخ مقصوداً وصفة السلامة تستحق بالعقد إذن فصار الإبراء عن كل عيب إبراء عما يقتضيه مطلق العقد من صفة السلامة، فكان إبراء بعد وجود السبب؛ لأن سبب استحقاق صفة السلامة العقد، ولو شرط أنه بريء عن كل عيب به لم ينصرف إلى حادث في قولهم جميعاً، وكذلك إذا خص ضرباً من العيوب صح التخصيص، ولو كانت البراءة عامة واختلفا في عيب فادعى المشتري أنه حادث، وقال البائع: كان به يوم العقد فالقول قول البائع في قول محمد، وقال زفر والحسن: القول قول المشتري ولا يتأتى على هذا قول أبي يوسف؛ لأن البراءة العامة عنده تتناول القائم والحادث فلا يفيد هذا الاختلاف على قوله إلا على رواية شاذة عنه: أن البراءة العامة عنده لا تتناول الحادث، على تلك الرواية جواب أبي يوسف في هذه المسألة نظير الجواب عند محمد.
ووجه قول زفر والحسن: أن البراءة تستفاد من جهة المشتري فيكون القول قوله فيما أبرأ، وجه قول محمد: إن الإبراء حصل بصفة العموم فيتناول العيوب كلها، فالمشتري بدعوى حدوث بعضها يدعي خروج شيء بعينه من اللفظ فلا يقبل قوله، ولو كانت البراءة عن كل عيب بها واختلفا على نحو ما ذكرنا فالقول قول المشتري؛ لأن الإبراء يتناول عيناً موصوفاً بكونه في الحال فلا يدخل تحته إلا ما يثبت بالحجة أنه بذلك الوصف.
قال هشام: سمعت أبا يوسف يقول رجل اشترى من رجل جارية وقال البائع للمشتري: أنا بريء من يدها، ولم يذكر عيباً قال: هو بريء، قلت: وإن قال أنا بريء منها قال: الإبراء عن العيب؛ لأنه لا يقع هذا على أن البراءة عن العيب في كلام الناس.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل اشترى من رجل ثوباً وأراه البائع خرقاً