قسمين: أما إن كانت الهدية تصلح للصبي كالدراهم والدنانير ومتاع البيت والحيوان ففي القسم الأول الهدية للصبي؛ لأن هذا تمليك من الصبي عادة، وفي القسم الثاني ينظر إلى المهدي، فإن كان من أقرباء الأم أو من معارفها فهي للأم؛ لأن التمليك منها عرفاً، هكذا روي عن الشيخ أبو القاسم عن أبي الليث، فالحاصل: أن التعويل على العرف حتى لو وجد سبب أو وجه يستدل به على غير ما قلنا معتمد على ذلك، وكذلك إذا اتخذ وليمة لزفاف ابنته إلى بيت زوجها فأهدى أقرباء الزوج أو أقرباء المرأة، وهذا كله إذا لم يقل المهدي: أهديت الأب أو الأم في المسألة الأولى، وللزوج أو المرأة في المسألة الثانية؛ بأن تعذر الرجوع إلى قول المهدي، أما إذا قال: فالقول قول المهدي؛ لأنه هو المملك.
وفي «فتاوي سمرقند» بأن رجل قدم من السفر وجاء بهدايا إلى من نزل عنده، وقال له: اقسم هذه الأشياء بين امرأتك بين أولادك وبين نفسك، إن كان المهدي قائماً يرجع في البيان إليه، وإن لم يكن فما يصلح للنساء فهو للنساء، وما يصلح للصغار من الإناث فهو لهن، وما يصلح للصغار من الذكور فهو لهم، وما يصلح له فهو له، وإن كان يصلح للرجل وللمرأة جميعا ينظر إلى المهدي بحيث إن كان من أقارب الرجل أو من معارفه فله، وإن كان من أقارب المرأة أو من معارفها فلها، فإذاً التعويل على العادة.
وفي «الفتاوي لأبي الليث» : رجل أهدى إليه جاره شيئاً من المأكولات في إناء فأراد أن يأكل في ذلك الإناء هل يباح له ذلك؟ قال: إن كانت الهدية ثريداً ونحوه يباح له التناول من الإناء؛ لأنه مأذون فيه دلالة؛ لأنه لو جعل في إناء آخر ذهبت الذمة، وإن كانت الهدية مثل الفاكهة ونحوها، فإن كان بينهما انبساط مثل هذا يباح له التناول لمكان الإذن، وإن لم يكن بينهما انبساط في مثل هذا لا يباح لانعدام الإذن، سئل أبو مطيع عن رجل قال الآخر: ادخل كرمي وخذ من العنب كم يأخذ؟ قال: عنقوداً واحداً، وإن قال: خذ من البرتقال، يأخذ مقدار منوين؛ لأن المنوين يجوز في كفارة اليمين. قال الفقيه أبو الليث: يجوز له أن يأخذ من العنب مقدار ما يشبع إنسانا؛ لأن هذا أذن بأخذ ما يحتاج إليه في الحال عادة.
ذكر شمس الأئمة السرخي رحمه الله في شرح كتاب الهبة أن هبة الدين ممن عليه لا تتم من غير قبول والإبراء يتم من غير قبول، ولكن للمديون حق الرد قبل موته إن شاء، وعن زفر رحمه الله: أنه سوى بينهما وقال: تتم الهبة والإبراء بدون القبول، وهذا الذي ذكر اختياره، وذكر في بيوع «الواقعات» فصل الهبة كما ذكره شمس الأئمة أنه لا يتم من غير قبول، وذكر عامة المشايخ في شرح كتاب الكفالة وفي شرح كتاب هبة الدين ممن عليه: والإبراء يتم من غير قبول ويريد بالرد وابراؤه يتم من غير قبول ولا يرد، وإن وهب الدين الذي عليه الأصل أو أبرأه فمات قبل الرد فهو بريء؛ لأن البراءة تتم من غير قبول،