الثاني: لو أراد المستعير استرداده من يد الثاني ليس له ذلك، وإذا طلب المعير العارية فمنعها المستعير عنه، فهو ضامن وهذا ظاهر، وإن لم يمنعه منه، ولكن قال لصاحبه: دعه عندي إلى غدٍ ثم أرد عليك فرضي بذلك، ثم ضاع لا ضمان عليه؛ لأنه أعاره مرة أخرى؛ هكذا ذكر المسألة في «الأصل» ، وذكر في «فتاوى أبي الليث» هذه المسألة في صورة أخرى، فقال: إذا قال المستعير: نعم أدفع، وفرط في الدفع حتى مضى شهر، ثم سرق من المستعير؛ جعلها على وجهين:
الأول: أن يكون المستعير عاجزاً عن الرد وقت الطلب، وفي هذا الوجه لا ضمان.
والوجه الثاني: أن يكون المستعير قادراً على الرد وقت الطلب، وإنه على وجوه ثلاثة؛ إما إن نص المعير على السخط، أو لم ينص على السخط، والرضا، وفي هذين الوجهين يجب الضمان، وإما إن نص على الرضا وقال: لا بأس به، وفي هذا الوجه لا ضمان، ويكون هذا منه ابتداءاً إعارة، وإذا أرسل الرجل رسولاً إلى غيره، وهما ببخارى استعير له دابة منه إلى بيوت سكنه، فذهب الرسول إلى صاحب الدابة، وقال: إن فلاناً يقول: أعرني دابتك إلى سمرقند، فدفعها إليه، فجاء الرسول بالدابة إلى المستعير، ودفعها إليه؛ ثم بدا للمستعير أن يركبها إلى سمرقند، وهو لا يشعر بما كان من قول الرسول، فركبها، وهلكت الدابة تحته، فلا ضمان؛ لأنه ركبها إلى سمرقند بإذن المالك.
فإن قيل: المستعير لم يحضر يسمع إذن المالك بالركوب إلى سمرقند، والإذن السماع لا يصح.
قلنا: لا بل سمع اعتباراً حيث سمع رسوله، ولو ركبها إلى....... وباقي المسألة بحالها، فهو ضامن؛ لأنه ركبها بغير إذن المعير.
رجل استعار من رجل ثوراً يساوي خمسين درهماً، فقرنه مع ثور يساوي مائة، فعطب ثور العارية، فهذا على وجهين: إن كان الناس يفعلون مثل ذلك عادة يعني يقرنون ثوراً يساوي خمسين بثور يساوي مائة، فلا ضمان لوجود الإذن به دلالة عرفاً، وإن كانوا لا يفعلون مثل ذلك، فهو ضامن في «فتاوى أبي الليث» .
وفيه أيضاً: رجلان يسكنان في بيت واحد؛ كل واحد منهما زاوية فاستعار واحد منهما من صاحبه شيئاً، فطالبه المعير بالرد، فقال المستعير: وجدتها في الطاق الذي في زاويتك، وأنكر المعير، فإن كان البيت في أيديهما لا ضمان عليه؛ لأنه إن لم يثبت الرد لكن لم يصر المستعير مضيعاً بالوضع في الطاق، فلا يضمن.
سئل أبو بكر رضي الله عنه: عن معير الكتاب طلب رد الكتاب عليه، وأنعم له فذهب ثم أخبره بالضياع، قال: إن كان المستعير يرجو وجوده ولم ييأس عنه لم يضمن، وإن كان آيساً عن وجوده، ووعده في رده ثم أخبره أنه كان ضائعاً، فعليه الضمان، وهذا