فأمسكها المودع بعد مضي الوقت، وهلكت في يده لا يضمن ما لم ينتفع به، وكذلك المستأجر إذا أمسك المستأجر بعد مضي المدة لا يضمن ما لم ينتفع به، والفرق: أن الرد على المستعير، فكأنه قال له صاحب العارية: ردها علي بعد مضي اليوم، فإذا لم يرد صار مانعاً العارية بعد الطلب، فيصير ضامناً؛ بخلاف المودع والمستأجر، ويستوي فيه أن تكون العارية مؤقتة نصاً أو دلالة، حتى قيل: إن من استعار من آخر قدوماً ليكسر به حطباً، فكسر الحطب، وأمسكه حتى هلكت؛ ضمن.
إذا ربط المستعير الحمار على الشجر بالحبل الذي عليه، فوقع الحبل في عنقه، ومات؛ لا يضمن المستعير.
هكذا حكى فتوى شمس الإسلام محمود الأوزجندي: رجل استعار من رجل دابة، فنام المستعير في المفازة، ومقودها في يده، فجاء إنسان وقطع المقود وذهب بالدابة؛ لا ضمان عليه، ولو مد المقود من يده وأخذ الدابة، وهو لم يشعر بذلك ضمن؛ لأن في الوجه الأول: غير مضيع، وفي الوجه الثاني: مضيع؛ إذا نام بصفة أمكن مد المقود من يده هكذا ذكر في «فتاوى أبي الليث» قال الصدر الشهيد في «واقعاته» : ويجب أن يكون تأويله إذا نام مضطجعاً؛ أما إذا نام جالساً لا؛ لأنه لو نام جالساً، والمقود ليس في يده لا يعد مضيعاً، فإنه نص أن المودع إذا نام جالساً، فسرقت الوديعة؛ لا ضمان عليه، والمودع والمستعير في هذا الأمر سواء؛ نص على التسوية شمس الأئمة السرخسي في كتاب وديعة السرقة.
قالوا: فإنما يجب الضمان بالنوم مضطجعاً إذا كان في الحضر؛ أما إذا كان في السفر، فلا، وعلى هذا إذا وضع المستعار بين يديه، ونام قاعداً؛ لا ضمان عليه، وإن نام مضطجعاً يضمن؛ إذا كان في الحضر.
وقد وقعت في زماننا: أن رجلاً استعار مراً ليسقي به أرضه، ففتح النهر ووضع المر تحت رأسه، ونام مضطجعاً كما هو عادة أهل الرستاق، فسرق منه، فأفتوا أنه لا يضمن، ولو وضع المستعار تحت رأسه، أو تحت جنبه، ونام عليه مضطجعاً؛ لا يجب الضمان.
في «الأصل» : جاء رجل إلى المستعير، وقال: إني استعرت من فلان هذا الذي هو عارية عندك من جهته، وأمرني أن أقبضه منك، فصدقه المستعير، ودفعه إليه، فضاعت الوديعة في يده، ثم جاء المالك، وأنكر أن يكون أمره بذلك، فالقول قول المالك، والمستعير ضامن؛ لأنه دفع مال المالك إلى غيره، وإنه سبب الضمان يوجبه الأصل، إلا إذا كان بإذن المالك، ولم يثبت الإذن ههنا لما أنكر المالك ذلك.
فإن قيل: لماذا لا يجعل هذا إعارة من المستعير الأول من غيره حتى لا يجب عليه الضمان.
قلنا: إذا أعار المستعير من غيره إنما لا يضمن؛ لأنه يقيم يده مقام يد نفسه، وههنا تسليمه إلى الثاني لم يكن بهذا الطريق.
ألا ترى أن ثمة لو أراد المستعير استرداده من يد الثاني له ذلك، وفي الفصل