الضمان، وعلى هذا إذا ادعى الهلاك أولاً، ثم قال: أو قد رددتها عليك؛ لا يصدق، وهو ضامن لما ذكرنا من المعنى الثاني.

وفي «المنتقى» : رجل أودع عند رجل وديعة، فقال المودع: ضاعت منذ عشرة أيام، وأقام صاحب الوديعة بينة أنها كانت في يده منذ يومين، فقال المودع: وجدتها، فضاعت قبل ذلك منه. رجل قال لغيره: قد استودعتني ألف درهم فضاعت، وقال ذلك الغير: كذبت ما استودعتك إنما غصبتها، أو قال: أخذتها بغير أمري، فلا ضمان عليه بخلاف ما إذا قال: أخذتها وديعة، وقال صاحب المال: لا بل أخذتها بغير أمري، فالقول قول صاحب المال، ومدعي الوديعة ضامن.

والفرق: أن في المسألة الثانية أقر بسبب الضمان، وهو الأخذ؛ ثم ادعى ما يبرئه فلا يصدق في دعواه؛ كما لو قال لغيره: أكلت مالك بإذنك، وقال صاحب المال: لا بل أكلت بغير إذني، أما في المسألة الأولى ما أقر بالأخذ؛ لأن الإيداع بدون الأخذ متصور بأن يضع المال بين يديه، ويقول: احفظه، ولو قال صاحب المال: أقرضتكها، وقال ذلك: لا بل أخذتها وديعة، فالقول قول مدعي الوديعة؛ لأنهما اتفقا عل أن الأخذ كان بإذن المالك، والأخذ بإذن المالك لا يكون سبب ضمان إلا باعتبار عقد ضمان، فالمالك يدعي عقد الضمان، ومدعي الوديعة منكر ذلك؛ بخلاف المسألة الأولى؛ لأن هناك ما اتفقا أن الأخذ كان بإذن المالك.

رجل له عند رجل ألف درهم وديعة، وله على المودع ألف درهم دين، فدفع المودع إليه ألف درهم، ثم اختلفا بعد ذلك بأيام، فقال رب المال: أخذت الوديعة والدين عليك على حاله، وقال المودع: لا بل أعطيتك القرض، وقد ضاعت الوديعة، فالقول قول المودع؛ لأنه لا عبرة لاختلافهما في الألف المردودة؛ لأنها وصلت إلى المالك أنى كانت، وإنما اختلافهما في الألف الهالكة فالمالك يدعي فيها الأخذ قرضاً، والمدعى عليه يدعي الأخذ وديعة، وفي هذا القول قول مدعي الوديعة لما مر.

رجل أودع عند رجل وديعة فغاب رب الوديعة، ثم قدم، وطلب الوديعة، فقال المودع: أمرتني أن أنفقها على أهلك وولدك، وقد أنفقتها عليهم، ورب الوديعة يقول: لم آمرك بذلك، فالقول قول رب الوديعة والمودع ضامن؛ لأنه أقر بسبب الضمان، وادعى ما يبرئه، فلا يصدق في دعواه إلا بحجة.

وهذه المسألة دليل على أن من كان له عند آخر ألف درهم وديعة، وعلى رب الوديعة دين ألف درهم، فدفع المودع الألف إلى صاحب الدين بغير أمر صاحب الوديعة أنه يضمن، وهذا أفضل؛ اختلف المشايخ فيه كان الحاكم الإمام أبو إسحاق.... يقول: لا يضمن، وغيره من المشايخ كانوا يقولون بالضمان، وهذه دليل على الضمان؛ لأن نفقة الأصل تصير ديناً بقضاء القاضي، وقد أوجب محمد رحمه الله الضمان على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015