فلا ضمان؛ لأنه لو اقتصر على قوله: ذهبت، كان القول قوله مع اليمين؛ لأنه أمين أخبر بما هو محتمل، فكذا إذا قال: ذهبت، ولا أدري كيف ذهبت؛ لأنه عسى ذهبت على وجه لا يعلم بنفسه بأن ذهب، وهو نائم أو غائب؛ قال شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب الوديعة، واختلف المتأخرون فيما إذا قال: ابتداءاً لا أدري كيف ذهبت فمنهم من قال هو ضامن؛ لأنه جهلها بما قال بخلاف ما إذا قال: ذهبت، ولا أدري كيف ذهبت؛ لأنه بقوله ذهبت يخبر بهلاكها وهذا القدر يكفيه، فلا يغيره بعد ذلك، ولا أدري كيف ذهبت، ومنهم من قال: لا يضمن، وهو الأصح؛ لأن أصل الذهاب معلوم من هذا اللفظ لا محالة، وإنما التجهيل في كيفية الذهاب والإخبار بأصل الذهاب يكفي في البراءة عن الضمان.

في «النوازل» : إذا قال المودع: ذهبت الوديعة من منزلي، ولم تذهب من مالي هي قبل قوله مع اليمين؛ لأنه أمين أخبر بما يتصدق مع اليمين. إذا أقام رب الوديعة البينة على الإيداع بعدها جحد المودع، وأقام المودع بينة على الضياع، فهذه المسألة على وجهين:

الأول: أن يجحد المودع الإيداع بأن يقول للمودع: لم يودعني، وفي هذا الوجه المودع ضامن وبينته على الضياع مردودة، سواء شهد الشهود على الضياع قبل الجحود، أو بعد الجحود، أما إذا شهدوا بالهلاك بعد الجحود؛ لأن بالجحود صار المودع ضامناً، وهلاك المضمون في يد الضامن بقدر الضمان لا أن يسقطه، فأما إذا شهدوا على الهلاك قبل الجحود، فإن البينة إنما تقبل بعد دعوى صحيحة، ودعوى الهلاك من المودع بعدما أنكر أصل الإيداع لا تصح لمكان التناقض.

والوجه الثاني: أن لا يجحد الإيداع وإنما يجحد الوديعة بأن قال: ليس لك عندي وديعة، ثم أقام بينة على الضياع؛ إن أقام بينة على الضياع بعد الجحود، فهو ضامن؛ لأن بهذه البينة يثبت هلاك المضمون، وإن أقام بينة على الضياع قبل الجحود، فلا ضمان؛ لأن بهذه البينة يثبت هلاك الأمانة، وإن أقام البينة على الضياع مطلقاً، ولم يتعرضوا لما قبل الجحود، ولما بعد الجحود، فهو ضامن؛ لأنه يحتمل الهلاك بعد الجحود، وعلى هذا التقدير لا يسقط الضمان فلا يسقط الضمان بالشك.

وفي «القدوري» : إذا قال المودع للقاضي: حلف المودع ما هلكت قبل جحودي؛ حلفه القاضي؛ لأنه يدعي عليه معنى لو أقر به يلزمه، فإذا أنكر يستحلف رجاء النكول الذي هو إقرار، ويحلفه على العلم؛ لأن هذا تحليف على أمر وقع في يد الغير، فإذا قال المودع: قد أعطيتكها، ثم قال بعد أيام: لم أعطكها، ولكنها هلكت، فهو ضامن، ولا يصدقه فيما قال؛ إما لأنه لما قال: أعطيتكها فقد أقر أنه ليست عنده وديعة، فإذا قال بعد ذلك: هلكت عندي، فقد أقر أنه كانت عنده وديعة حين قال: ليست عندي، فثبت جحوده بالكلام الثاني، وإنه سبب ضمان؛ أو لأنه تكلم بكلامين، لا يمكن الجمع بينهما، فينتقض كل واحد منهما بصاحبه، فبقي ساكتاً ممتنعاً من الرد بعد الطلب، وإنه سبب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015