أقام الورثة البينة على إقرار الميت أنه قال في حياته: رددت الوديعة، فلا ضمان؛ لأن الثابت بالبينة العادلة كالثابت عياناً، ولو عاينا إقرار المودع حال حياته بذلك، ثم مات لا ضمان عليه؛ كذا ههنا.

وفي «الواقعات» : إذا اختلف الطالب وورثة المودع في الوديعة، فقال الطالب: (128ب2) قد مات ولم يبين، فصار ديناً في ماله، وقالت الورثة: كانت قائمة بعينها، ثم مات المودع، وكانت معروفة ثم هلكت بعد موته، فالقول قول الطالب هو الصحيح؛ لأن الوديعة صارت ديناً في التركة ظاهراً، والورثة يدعون أمراً بخلاف الظاهر، والطالب متمسك بما هو الظاهر.

وذكر في «الجامع الكبير» : مستودع قال لصاحب المال: قد قبضت بعض وديعتك ثم مات، وقال صاحب المال: لم أقبض شيئاً؛ قيل لصاحب المال: لا بد أن تقر بقبض شيء، وتحلف على ما بقي بالله ما قبضت منه ما قالت الورثة؛ لأن إقرار المستودع على صاحب الوديعة بالقبض جائز لكونه موقناً من جهته، فصار إقراره كإقرار صاحب الوديعة.

ألا ترى أن المستودع لو قال لصاحب الوديعة: قبضت جميع وديعتك جاز؛ كما لو أقر صاحب الوديعة بنفسه، ولو أقر صاحب الوديعة بقبض بعض الوديعة، ثم مات المستودع قيل له: بين؛ لأنه أقر بقبض شيء مجهول، فيرجع في البيان إليه، وإذا بين كان القول قوله في البيان كذلك ههنا، وعليه اليمين فيما يدعي الورثة من الزيادة؛ لأن ورثة المستودع صاروا ضامنين تجهيل المورث، والضامن إذا ادعى على صاحب الضمان زيادة قبض كان القول قول صاحب الضمان كما في الغاصب والمغصوب منه، وكذلك إذا قال رب الوديعة: قد قبضت بعض وديعتي، ثم مات المستودع، فالقول قول رب المال فيما قبض؛ لأنه أقر بقبض شيء مجهول، فيرجع في البيان إليه، ويكون القول قوله فيما وراء ذلك؛ لأنه منكر للقبض، والورثة ضامنون بسبب تجهيل المستودع، فكان القول قوله، وكذلك لو قال ذلك بعد موت المستودع؛ لأن المعنى يجمعهما.

في «المنتقى» : رجلان أودعا رجلاً ألف درهم، فمات المستودع، وترك ابناً، فإن ادعى أحد الرجلين أن الابن استهلك الوديعة بعد موت أبيه، وقال الآخر: لا أدري ما حالها، فالذي ادعى على الابن الاستهلاك أبرأ الابن منها حيث زعم أن أباه مات وتركها قائمة بعينها، فاستهلكها ابنه، وادعاء الضمان على الابن يصدق في حق الأب، ولم يصدق في حق الابن حتى لا يقضى له على الابن بشيء، فأما الآخر فله خمسمائة درهم في مال الميت لوجود التجهيل في حقه، ولا يشارك صاحبه فيها.

وفي «الجامع الكبير» : صبي ابن اثني عشر سنة يعقل البيع والشراء؛ وقبض الودائع لكنه محجور عليه؛ أودعه رجل ألف درهم فأدرك ومات ولم يدرِ ما حال الوديعة، فلا ضمان في ماله إلا أن يشهد الشهود أنه أدرك وهي في يده، والحكم في المعتوه نظير الحكم في الصبي إذا أفاق ثم مات، ولم يدرَ حال الوديعة؛ لا ضمان في ماله إلا أن يشهد الشهود أنه أفاق وهي في يده، وإن كان الصبي مأذوناً في التجارة والمسألة بحالها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015