في «فتاوى أبي الليث» وفي هذا الموضع أيضاً: إذا أجر المودع شيئاً من داره من إنسان، ودفع الوديعة إلى هذا المستأجر، فهذا على وجهين: أما إن كان لكل واحد منهما أعني الآجر والمستأجر غلق على حدة، وفي هذا الوجه عليه الضمان؛ لأنه ليس في عياله، ولا بمنزلة من في عياله، وإن لم يكن لكل واحد منهما غلق على حدة، وكل واحد منهما يدخل على صاحبه بغير حشمة فلا ضمان؛ لأنه بمنزلة من في عياله.

وفي هذا الموضع أيضاً: رجل غاب وخلف امرأة، وفي منزله الذي فيه ودائع الناس، ثم رجع وطلب الوديعة، فلم يجدها، فإن كانت المرأة أمينة فلا ضمان على الزوج، وإن كانت غير أمينة، وعلم الزوج بذلك، مع هذا ترك الوديعة فهو ضامن، وعن هذه المسألة قالوا: «ثم بان ثم خونست» فذهب الغلام بودائع الناس، «فالتواكه يتم بأن ضامن شرد» علم أن غلامه سارق، وليس بأمين.

قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا أودع رجل رجلاً ألف درهم، وقال له: أخبئها في بيتك هذا فخبأها في بيت آخر من داره تلك لا يضمن استحساناً؛ لأنه إنما يراعى من الشروط ما يفيد، وهذا الشرط لا يفيد.

ألا ترى أنه لو قال له: أخبئها في هذا الصندوق الذي في بيتك، فخبأها في صندوق آخر في بيته فضاع لا ضمان، وإن قال: أخبئها في هذه الدار، فخبأها في دار أخرى في محلة أخرى، أو في تلك المحلة، فهو ضامن، وإن كانت الثانية أحرز من الأولى هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الوديعة وذلك إذا قال: أخبئها في هذه الدار، ولا تخبئها في الدار الأخرى، وفي «شرح الطحاوي» إذا كانت الدار التي خبأها فيها في الحرز على السواء (126ب2) أو كانت هي أحرز، فلا ضمان عليه سواء نهاه عن الخباء فيها (أو لم يفعل)

وفي «نوادر هشام» عن محمد؛ إن كانت الدار الثانية أحرز فلا ضمان، ولم يذكر محمد في مسألة البيتين ما إذا قال: أخبئها في هذا البيت، ولا تخبئها في هذا البيت، فخبأها في هذا البيت المنهي عنه، وذكر شيخ الإسلام في كتاب الوكالة في باب وكالة الصبي أنه يضمن، وفي «شرح الطحاوي:» إن كان البيت الآخر أحرز من المنهي عنه يضمن، وما لا فلا، والجواب في المصرين نظير الجواب في الدارين.

إذا قال للمودع: احفظ الوديعة بيدك، فلا تضعها ليلاً ولا نهاراً، فوضعها وهلكت، فلا ضمان، وإن كان هذا شرطاً مفيداً؛ لأنه لا يمكن اعتباره إذا قال له: احفظ في هذا المصر، أو قال له: لا تخرجها عن هذا المصر، فسافر بها؛ إن كان سفراً له منه بد ضمن، وإن كان سفراً لا بد له منه؛ إن أمكنه حفظ الوديعة في المصر الذي أمر بالحفظ فيها مع السفر بأن كان ترك عبداً له في المصر المأمور به، أو بعض من في عياله، فإذا سافر بها والحالة هذه ضمن؛ لأنه خالف شرطاً مفيداً من غير عذر، وإن لم يمكنه ذلك فسافر، فلا ضمان؛ هذا إذا عين عليه مكان الحفظ، وإن لم يعين عليه مكان الحفظ، ولم ينهه عن الإخراج عن المصر؛ بل أمره بالحفظ مطلقاً، فسافر بها؛ إن كان الطريق مخوفاً يضمن بالإجماع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015