الميتة الصنعة جعلت في جلد لا يضمن بالغصب، والاستهلاك، فلم يوجب انقطاع حق صاحب العين عن العين.
وهذا هو الأصل: أن الصنعة إنما تجعل المصنوع ملكاً للصانع إذا كان المصنوع قبل الصنعة مما يضمن بالغصب والاستهلاك؛ أما إذا كان مما لا يضمن بالغصب والاستهلاك قبل الصنعة، فبالصنعة لا يصير مملوكاً للصانع.
وأصل هذا ما ذكر محمد رحمه الله في «السير الكبير» : لو أن رجلاً من أهل الجند وجد في دار الحرب من الخشب المليح، فعمل منه قصاعاً، وأخونة، ثم أخرجها إلى دار الإسلام، فإن للإمام أن يأخذ ذلك منه، ويعطيه قيمة ما زاد الصنعة فيه، وإن شاء باعه، وقسم الخشب على قيمة هذا الخشب غير معمول، وعلى قيمته معمولاً فما أصاب غير المعمول من ذلك، فإنه يرده في القسمة، وما أصاب المعمول حين ذلك، فإنه يرد، ولا يصير المصنوع ملكاً للعامل ولو أخرجت الغنائم إلى دار الإسلام، فأخذ رجل من هذا الخشب المليح، وجعله قصاعاً، وغير ذلك مما وصفنا لك فإنه يضمن قيمة الخشب، وكان المصنوع للذي عمل، لا سبيل للإمام عليه؛ لأن في الفصل الأول الصنعة إنما وجدت في خشب لا يضمن بالغصب والاستهلاك؛ لأن الغنائم لا تضمن بالغصب والاستهلاك في دار الحرب، فلم يوجد انقطاع حق الغزاة عن العين، وفي الوجه الثاني: الصنعة إنما وجدت في خشب يضمن بالغصب والاستهلاك.
إذا ثبت هذا جئنا إلى تخريج مسألة الفرو، فنقول: إنما الخيار للعامل في جلد الميتة؛ لا لصاحب الجلد، وإن كان صاحب العمل صاحب تبع (123ب2) وصاحب الجلد صاحب أصل، والخيار ثبت في مثل هذا لصاحب الأصل كما في الثوب االمصبوغ؛ لا لصاحب التبع؛ فذلك لأن صاحب العمل..... كان صاحب تبع ههنا من حيث الحقيقة، فإن الصنعة صارت صفة للجلد، والأوصاف أتباع فمن حيث المعنى صاحب العمل أصل؛ لأن جلد الميتة لم يكن مالاً قبل الصنعة، والدباغة والمالية هي المقصودة من الأعيان لا نفس العين، وإنما صار مالاً بعمله، فصار من حيث المعنى صاحب العمل صاحب أصل، وصاحب الجلد من حيث المعنى صاحب تبع.
والعبرة للمعنى، وإنما اعتبر قيمة الجلد ذكياً؛ لأنه متى اعتبره ميتاً، وجلد الميتة لا قيمة له؛ لا يستحق صاحب الجلد شيئاً، فلهذا اعتبرت قيمته ذكياً.
قال محمد رحمه الله في كتاب «الأصل» : إذا غصب الرجل ثوباً من غيره ولبسه، ثم جاء صاحب الثوب ومدّ الثوب والغاصب لم يعلم بذلك، ولم يطلب صاحب الثوب الثوب منه فتخرق الثوب من ذلك، فلا شيء على الغاصب، وكان ينبغي أن يقال: بأنه يضمن الغاصب للمغصوب منه نصف قيمة الخرق؛ لأن الخرق حصل بيد صاحب الثوب، وإمساك الغاصب جميعاً، فإنه لولا إمساك الغاصب بعد مد المغصوب منه كان لا يخرق