الثاني فالجواب كما قلنا، وإن كان لا ينبت مرة أخرى كما ينبت فهو للغاصب، ويضمن الغاصب للمالك قيمة زرعه نابتاً؛ لأن الإتلاف كذا ورد.
في «النوازل» : غصب أرضاً، وبنى فيها حائطاً، فجاء صاحب الأرض، وأخذ الأرض، فأراد الغاصب أن يأخذ الحائط، فإن كان الغاصب بنى الحائط من تراب هذه الأرض؛ ليس له، ويكون لصاحب الأرض؛ لأنه لو نقض صار تراباً كما كان، فيكون عليه تركه، فلا يفيد النقض، وإن بنى الحائط لا من تراب هذه الأرض، فله النقض؛ لأنه لو نقض لا يكون عليه تركه؛ بل يكون له النقل فكان (121أ2) النقض مفيداً.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : بنى رجل حائطاً في كرم رجل بغير أمره، فإن لم يكن للتراب قيمة، فالحائط لصاحب الكرم، والباني معين؛ لأنه لم يصر غاصباً التراب، وإن كان للتراب قيمة، فالحائط للباني، وعليه قيمة التراب؛ لأنه صار غاصباً للتراب، فصار ضامناً.
قال القدوري في «كتابه» : غصب من آخر عبداً أو جارية، فأبق في يد الغاصب، ولم يكن أبق قبل ذلك، أو زنت أو سرقت، ولم تكن فعلت ذلك قبل ذلك، فعلى الغاصب ما انتقص بسبب السرقة والإباق، وعيبة الزنا؛ لأن هذه العيوب لازمة توجب نقصان القيمة، فالواجب على الغاصب أن يرده على الوجه الذي غصبه معنىً.
وكذلك كل ما حدث في يد الغاصب مما ينتقص القيمة من عور أو شلل أو ما أشبه ذلك كان مضموناً عليه، فيقوم العبد صحيحاً، ويقوم وبه العيب فيأخذه، ويرجع بفضل المولى بينهما، وإن أصابه عمى في يد الغاصب، أو أصابه بياض في عينه لم يرده على المولى ورد معه الأرش، ثم ذهب العمى وزال البياض، فللغاصب أن يرجع على المولى بالأرش، وإن حبلت عند الغاصب من الزنا فردها على المولى كذلك.... يرد معها النقصان، فينظر إلى أرش عيب الزنا، وإلى ما نقصها الحبل فيضمن الأكثر من ذلك، ويدخل الأقل في الأكثر، وهذا استحسان أخذ به أبو يوسف؛ لأن السبب متحد، وهو الزنا، فتعذر الجمع بين الضمانين، ويدخل الأقل في الأكثر.
والقياس: أن يضمن الأمرين جميعاً، وهو قول محمد؛ لأنهما عيبان مختلفان، فإن ولدت في يد المالك، وسلمت من الولادة، فإنه يروى عن أبي يوسف: أنه ينظر إلى أرش الحبل وإلى أرش عيب الزنا، فإن كان عيب الزنا أكثر لا يرد شيئاً، وإن كان أرش الحبل أكثر رد الفضل عن عيب أرش عيب الزنا؛ لأن عيب الزنا ثابت، وقد ذهب عيب الحبل.