يجب أن يعلم بأن التقاط اللقطة على نوعين: نوع من ذلك يفترض وهو ما إذا خاف ضياعها، ونوع من ذلك لا يفترض وهو ما إذا لم يخف ضياعها ذلك ينافي أخذها، أجمع عليه العلماء، فاختلفوا فيما بينهم أن الترك أفضل أو الرفع، ظاهر مذهب أصحابنا أن الرفع أفضل؛ لأنه لو لم يرفع هو ربما تصل إليها يد خائنة، وبعض المتقدمين قالوا: الترك أفضل؛ لأن صاحبها يطلبها في المكان الذي سقطت منه، فإذا تركها وصل إليها يد المالك، ومن العلماء من قال: إن كان..... .... يأمن على نفسه الخيانة، فالرفع أفضل، وإن كان فاسقاً لا يأمن على نفسه الخيانة فالترك أفضل، ثم ما يجده الرجل......... .... أن صاحبه لا يطلبه كالنورة في مواضع مختلفة، وكقشور الرمان في مواضع متفرقة، وفي هذا الوجه له أن يأخذها وينتفع بها................ وجدها في يده بعدما جمعها، فله أن يأخذها، ولا يصير ملكاً للآخذ، هكذا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده، وشمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب اللقطة وهكذا ذكر القدوري في «شرحه» في المسائل المنثورة من «كتاب الحظر» والإباحة.
ووجه ذلك: أن إلقاء هذه الأشياء إذن بالأخذ، وإباحة الانتفاع بها عادة وليس تمليك؛ لأن التمليك من المجهول لا يكون، والإباحة لا تزيل ملك المبيح، والمباح لم ينتفع به على حكم ملكه، فإذا وجدها صاحبها في يده فقد وجد عين ملكه، فكان له الأخذ، وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب اللقطة أنه ليس للمالك أن يأخذها من يده بعدما جمعها أو احتجزها وتصير ملكاً للآخذ، وكذلك الجواب في التقاط السنابل، فإن كان الرامي قال حالة الرمي: فليأخذه من يشاء، لا يكون للرامي أن يأخذ بعد ذلك من الأخذ بلا خلاف، وتأويل هذا؛ إذا قال: لأقوام معلومين ذكره الفقيه أبو الليث في فتاويه في كتاب «الهبة والصدقة» أما إذا لم يقل ذلك لأقوام معلومين؛ يكون للرامي أن يأخذه من الآخذ.
وذكر في كتاب البيوع من «فتاوى أبي الليث» : رجل رمى ثوبه لا يجوز لأحد أن يأخذه إلا إذا قال وقت الرمي: فليأخذه من أراد، وتأويله ما ذكرنا، وهذا الذي ذكرنا من التأويل في المسألتين اختيار الفقيه أبي الليث، وبعض مشايخنا قالوا: ليس للرامي أن يأخذ بعد ذلك، وإن لم يقل الرامي ذلك لأقوام (107ب2) معلومين، ويستدل هذا القائل بقوله عليه السلام حين نحر بدنة «من يشاء اقتطع» ومعلوم أن هذا لم يختص بقوم معلومين، بل يتناول الكل.