وأشار في «الكتاب» إلى أنها لا تنظر إلى ظهره وبطنه؛ لأن لهم النظر عند اختلاف الجنس، ألا ترى أنه لا يحل للمرأة غسل الرجل الأجنبي بعد موته، ويحل للرجل ذلك، وما ذكرنا من الجواب فيما إذا كانت المرأة تعلم يقيناً أنها لو نظرت إلى بعض ما ذكرنا من الرجل لا يقع في قلبها شهوة، فأما إذا علمت أنه يقع في قلبها شهوة أو شكت، ومعنى الشك استواء الظن، فأحب إليَّ أن تغض بصرها منه؛ هكذا ذكر محمد في «الأصل» ؛ وهذا لأن النظر عن شهوة نوع زنا، قال عليه السلام: «العينان تزنيان وزناهما النظر» ، والزنا حرام بجميع أنواعه، فقد ذكر الاستحسان فيما إذا كان الناظر إلى الرجل الأجنبي هي المرأة.
وفيما إذا كان الناظر إلى المرأة الأجنبية هو الرجل، قال: يجتنب بجهده على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله، وهو دليل الحرمة، وهو الصحيح في الفعلين جميعاً، ولا تمس شيئاً إذا كان أحدهما شاباً في حد الشهوة، وإن أمنا على أنفسهما الشهوة فقد حرم المس، وإن أمنا على أنفسهما الشهوة إذا كان أحدهما في حد الشهوة، فلم يحرم النظر إذا أمنت على نفسها الشهوة؛ لأن حكم المس أغلظ من حكم النظر حتى إن من مس سائر الأعضاء يوجب حرمة المصاهرة إن كان المس عن شهوة، والنظر إلى سائر الأعضاء سوى عين الفرج لا يوجب حرمة المصاهرة، وإن كان عن شهوة، والصوم يفسد بالمس عن شهوة، إذا اتصل به الإنزال، ولا يفسد بالنظر عن شهوة وإن اتصل به الإنزال والبلوى الذي تتحقق في النظر لا تتحقق في المس، فالرخصة في النظر عند الأمن عن الشهوة لا توجب الرخصة في المس.
فأما الأمة فيحل لها النظر إلى جميع أعضاء الرجل الأجنبي سوى ما بين سرته حتى تجاوز ركبته، وتمس جميع ذلك إذا أمنا على أنفسهما الشهوة؛ ألا ترى أنه جرت العادة فيما بين الناس أن الأمة تغمز رجل زوج مولاتها من غير نكير منكر، وإنه يدل على جواز المس.
وأما بيان القسم الرابع: فنقول: نظر الرجل إلى المرأة ينقسم أقساماً أربعة؛ نظر الزوج إلى زوجته ومملوكته، ونظر الرجل إلى ذوات محارمه، ونظر الرجل إلى الحرة الأجنبية، ونظر الرجل إلى إماء الغير.
أما نظر الرجل إلى زوجته ومملوكته: فهو حلال من فرقها إلى قدمها، عن شهوة وبغير شهوة، وهذا ظاهر؛ إلا أن الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا رأى مني مع طول صحبتي إياه، وقال عليه السلام: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع، ولا يتجردان تجرد